جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤)) (١) ، ولم يأت «لإذا» جواب في طول الكلام للاستغناء عنه (٢).
ويشهد أيضا بصحة هذا الجواب قول الهذليّ :
حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة |
|
شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا (٣) |
فحذف جواب إذا ، ولم يأت به ، لأن هذا البيت آخر القصيدة (٤).
والوجه الثالث : أن يكون ذكر الإرادة في الآية مجازا واتّساعا وتنبيها على المعلوم من حال القوم وعاقبة أمرهم ، وأنّهم متى أمروا فسقوا وخالفوا ؛ وذكر الإرادة يجري هاهنا مجرى قولهم : إذا أراد التاجر أن يفتقر أتته النوائب من كلّ جهة ، وجاءه الخسران من كلّ طريق ، وقولهم : إذا أراد العليل أن يموت خلّط في مآكله ، وتسرّع إلى كل ما تتوق إليه نفسه ؛ ومعلوم أنّ التاجر لم يرد في الحقيقة شيئا ، ولا العليل أيضا ، لكن لمّا كان المعلوم من حال هذا الخسران ،
__________________
(١) سورة الزمر ، الآيتان : ٧٣ ، ٧٤.
(٢) حاشية بعض النسخ : «كأن التقدير : إذا جاؤوا حضروها وفتحت ؛ أو هموا بدخولها ، وما أشبه ذلك ، والله أعلم».
(٣) حواشي بعض النسخ : «البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي ؛ في آخر قصيدته التي أولها :
ما ذا يغير ابنتي ربع عويلهما |
|
لا تقردان ولا بوسى لمن رقدا |
قتائدة : موضع ، والجمالة : أصحاب الجمال ، كالبغالة والحمارة ، وانتصاب «شلا» على المصدر ، ودلّ على فعل مضمر يحصل بظهوره جواب «حتى إذا سلكوهم» المنتظر ، وتلخيصه : حتى إذا أسلكوهم هذا الموضع شلوهم شلا ، يشبه طرد الشرد من الجمال إذا تزاحمت على الماء ؛ وهذا كما يقول : طردوهم طرد غرائب الإبل. ومعنى أسلكوهم جعلوا لهم مسلكا ، والسلك : إدخال شيء في شيء تسلكه فيه ، ومنه : (ما سَلَكَكُمْ). وروى أبو عبيدة : «الشرد» (بفتح الشين والراء) ، وقال : تقول : إبل شرد وجلب وطرد».
وانظر الكلام على هذا البيت في «ديوان الهذليين ٢ / ٤٢ ، وأدب الكاتب ٤٢٤ ، والاقتضاب ٤٠٢).
(٤) حاشية بعض النسخ : «جواب الشرط جزء لا يتم المشروط دونه ؛ فإذا حذف كان أهول للكلام ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ...) الآية ، وكقول القائل : لو رأيت عليا بصفين ، وكقولهم : لو ذات سوار لطمتني».