ومن شروط حسن الدعاء أيضا أن يعلم حسن ما طلبه بالدعاء ، وإنّما يعلم ذلك بأن لا يكون فيه وجه قبح ظاهر. وما غاب عنه من وجوه القبح ـ مثل كونه مفسدة ـ وجب أن يشرط في دعائه ويطلب ما يطلبه بشرط أن لا يكون مفسدة ، وان لم يظهر هذا الشرط في دعائه جاز أن يضمره في نفسه.
ومن الشروط أن لا يكون عالما بأن ما طلبه لا يقع ولا يفعل ، نحو أن يسأل الله تعالى احياء الموتى ليسرّ بهم أو غفران عقاب الكفّار.
وعند أبي عليّ أن ذلك يقبح عقلا ، وعند أبي هاشم أنه يقبح بالشرع من حيث كان مفسدة وليس بقبيح في العقل.
وقد يحسن منا أن ندعو الله تعالى بأن يفعل ما نعلم أنه يفعله لا محالة ، وإنما يحسن ذلك على سبيل الانقطاع ، ولأن فيه مصلحة ولطفا ، ولهذا حسن منّا الاستغفار للمؤمنين ، والصلاة على الأنبياء والمرسلين والملائكه المقرّبين ، ولا شبهة في أن فعل ذلك عند الدعاء لا يسمّى اجابة له.
وينقسم ما يتناوله الدعاء إلى قسمين :
أحدهما : قد تقدّم العلم بأنه واجب مفعول لا محالة ، نحو اثابة المؤمنين والصلاة على النبيّ صلوات الله وسلامه عليه وآله ، ممّا الفائدة فيه التعبّد والتقرّب لا طلب ما يتناوله الدعاء.
والقسم الآخر : ما لا يعلم وجوبه وحصول فعله لا محالة ، وهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون واجبا وإن خفي علينا وجوبه ، مثل أن يكون لطفا في التكليف ، وينقسم إلى ما يكون مصلحة على كلّ حال ، وإلى ما يكون لطفا عند الدعاء ؛ لأن للدعاء على كلّ حال تأثيرا في فعله.
والقسم الآخر من القسمين الأوّلين : ما ليس بواجب من الإحسان والتفضّل ، وذلك ممّا لا يجوز أن يفعل وأن لا يفعل ، فإذا فعله تعالى عند الدعاء فهو اجابة له.