أراد : غنى ربّ غفور وقال ذو الرّمة :
لهم مجلس صهب السّبال أذلّة |
|
سواسية أحرارها وعبيدها (١) |
أراد أهل مجلس ، وأمّا قوله : «صهب السّبال» فإنّما أراد به الأعداء والعرب تصف الأعداء بذلك ، وإن لم يكونوا صهب الأسبلة ، وقوله : «سواسية» يريد أنّهم مستوون متشابهون ؛ ولا يقال هذا إلّا في الذمّ.
وثانيها : أنّه أراد تعالى المبالغة في وصف القوم بصغر القدر ، وسقوط المنزلة ؛ لأنّ العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت : كسفت الشمس لفقده ، وأظلم القمر ، وبكاه الليل والنهار والسماء والأرض ، يريدون بذلك المبالغة في عظم الأمر وشمول ضرره ؛ قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز :
الشّمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا |
وقال يزيد بن مفرّغ الحميريّ :
الرّيح تبكي شجوها |
|
والبرق يلمع في الغمامة (٢) |
وهذا صنيعهم في وصف كل أمر جلّ خطبه ، وعظم موقعه ؛ فيصفون النهار بالظلام ، وأن الكواكب طلعت نهارا لفقد نور الشمس وضوئها ؛ قال النابغة :
تبدو كواكبه والشّمس طالعة |
|
لا النّور نور ولا الإظلام إظلام (٣) |
وقال طرفة :
إن تنوّله فقد تمنعه |
|
وتريه النجم يجري بالظهر (٤) |
ومن هذا قولهم : لأريّنك الكواكب بالنهار ، ومعناه أورد عليك ما يظلم له في عينك النهار ، فتظنّه ليلا ذا كواكب.
__________________
(١) ديوانه ١٥٧ وفي حاشية بعض النسخ : «العرب إنّما تسمّي الأعداء صهب السبال ؛ لأنّ أعداءهم كانوا من الروم ؛ والروم صهب الأسبلة ، ثمّ اتّسعوا فسمّوا كلّ عدوّ صهب السبال ؛ وإن لم يكن من الروم ، والقريب من هذا يصفون الأعداء بالزرق العيون».
(٢) الأغاني : ١٧ / ٥٤ ـ ٥٥.
(٣) ديوانه : ٧٢.
(٤) ديوانه : ٦٥.