وقد ذكر أبو هاشم أنّ المراد بالآية أنّهم لأجل ضلالهم بضرب الأمثال وكفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الذي هو النجاة من العقاب والوصول إلى الثواب.
وليس يمكن على هذا أن يقال : كيف لا يستطيعون سبيلا إلى الخير والهدى ، وهم عندكم قادرون على الإيمان والتوبة؟ ومتى فعلوا ذلك استحقّوا الثواب ؛ لأنّ المراد أنّهم مع التمسّك بالضلال والمقام على الكفر لا سبيل لهم إلى خير وهدى ؛ وإنّما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه.
وقد يمكن أيضا في معنى الآية ما تقدّم ذكره من أنّ المراد بنفي الاستطاعة عنهم أنّهم مستثقلون للإيمان ؛ وقد يخبر عمّن استثقلّ شيئا بأنّه لا يستطيعه على ما تقدّم ذكره.
فأمّا قوله تعالى في قصة موسى عليهالسلام : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) فظاهره يقتضي أنّك لا تستطيع ذلك في المستقبل ؛ ولا يدلّ على أنّه غير مستطيع للصبر في الحال وأن يفعله في الثاني.
وقد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع له ؛ غير أنّ الآية تقتضي خلاف ذلك ؛ لأنّه قد صبر على المسألة أوقاتا ؛ ولم يصبر عنها في جميع الأوقات ، فلم تنتف الاستطاعة للصبر عنه في جميع الأوقات المستقبلة.
على أنّ المراد بذلك واضح ، وأنّه خبّر عن استثقاله الصبر عن المسألة عمّا لا يعرف ولا يقف عليه ؛ لأنّ مثل ذلك يصعب على النفس ؛ ولهذا نجد أحدنا إذا وجد بين يديه ما ينكره ويستبعده تنازعه نفسه إلى المسألة عنه ، والبحث عن حقيقته ، ويثقل عليه الكفّ عن الفحص عن أمره ؛ فلمّا حدث من صاحب موسى عليهالسلام ما يستنكر ظاهره استثقل الصبر عن المسألة عن ذلك.
ويشهد بهذا الوجه قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) (١) ؛ فبيّن
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية : ٦٨.