لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من الأمثال وذلك غير مقدور على الحقيقة ، ولا مستطاع.
والظاهر بهذا الوجه أولى ؛ لأنّه تعالى حكى أنّهم ضربوا له الأمثال ، وجعل ضلالهم وأنّهم لا يستطيعون السبيل متعلّقا بما تقدّم ذكره. وظاهر ذلك يوجب رجوع الأمرين جميعا إليه ، وأنّهم ضلّوا بضرب المثل ، وأنّهم لا يستطيعون سبيلا إلى تحقيق ما ضربوه من المثل ؛ على أنّه تعالى أخبر عنهم بأنّهم ضلّوا ، وظاهر ذلك الإخبار عن ماضي فعلهم.
فإن كان قوله تعالى : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) يرجع إليه ، فيجب أن يدلّ على أنّهم لا يقدرون على ترك الماضي ؛ وهذا ممّا لا نخالف فيه [وليس فيه ما نأباه] من أنّهم لا يقدرون في المستقبل أو في الحال على مفارقة الضلال والخروج عنه بعد تركه.
وبعد ؛ فإذا لم يكن للآية ظاهر ، فلم صاروا بأن يحملوا نفي الاستطاعة على أمر كلّفوه أولى منا إذا حملنا ذلك على أمر لم يكلّفوه ، أو على أنّه أراد الاستثقال والخبر عن عظم المشقّة عليهم.
وقد جرت عادة أهل اللغة بأن يقولوا لمن يستثقل شيئا : إنّه لا يستطيعه ، ولا يقدر عليه ولا يتمكّن منه ؛ ألا ترى أنّهم يقولون : فلان لا يستطيع أن يكلّم فلانا ، ولا ينظر إليه ، وما أشبه ذلك ، وإنّما غرضهم الاستثقال وشدّة الكلفة والمشقّة.
فإن قيل : فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف ، فما المراد بها عندكم؟
قلنا : قد ذكر أبو عليّ أنّ المراد أنّهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا ، لأنّه ضربوا الأمثال ؛ ظنّا منهم بأنّ ذلك يبيّن كذبه ، فأخبر تعالى أنّ ذلك غير مستطاع ؛ لأنّه تكذيب صادق ، وإبطال حقّ ممّا لا يتعلّق به قدرة ، ولا تتناوله استطاعة.