ولا يتمكّن مع المقام عليه من معرفة السمع بأدلّته ؛ وإنّما قلنا ذلك ؛ لأنّ من جوّز تكليف الله تعالى الكافر بالإيمان وهو لا يقدر عليه لا يمكنه العلم بنفي القبائح عن الله عزوجل ؛ وإذا لم يمكنه ذلك فلا بدّ من أن يلزمه تجويز القبائح في أفعاله تعالى وأخباره ؛ ولا يأمن أن يرسل كذّابا ، وأن يخبر هو بالكذب تعالى عن ذلك! فالسمع إن كان كلامه قدح في حجّته تجويز الكذب عليه ، وإن كان كلام رسوله قدح فيه ما يلزمه من تجويز تصديق الكذّاب ؛ وإنّما طرق ذلك تجويز بعض القبائح عليه.
وليس لهم أن يقولوا : إنّ أمره تعالى الكافر بالإيمان وإن لم يقدر عليه يحسن من حيث أتى الكافر فيه من قبل نفسه ؛ لأنّه تشاغل بالكفر فترك الإيمان. وإنّما كان يبطل تعلّقنا بالسمع لو أضفنا ذلك إليه على وجه يقبح ؛ وذلك لأنّ ما قالوه إذا لم يؤثّر في كون ما ذكرناه تكليفا لما لا يطاق لم يؤثر في نفي ما ألزمناه عنهم ؛ لأنّه يلزم على ذلك أن يفعل الكذب وسائر القبائح ، وتكون حسنة منه بأن يفعلها من وجه لا يقبح منه.
وليس قولهم : إنّا لم نضفه إليه من وجه يقبح بشيء يعتمد ؛ بل يجري مجرى قول من جوّز عليه تعالى أن يكذب ، ويكون الكذب منه تعالى حسنا ؛ ويدّعي مع ذلك صحّة معرفة السمع بأن يقول : إنّني لم أضف إليه تعالى قبيحا ، فيلزمني إفساد طريقة السمع ، فلمّا كان من ذكرناه لا عذر له في هذا الكلام لم يكن للمخالف في الاستطاعة عذر بمثله.
ونعود إلى تأويل الآية ؛ أمّا قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) فليس فيه ذكر للشيء الذي لا يقدرون عليه ، وبيان له ، وإنّما يصحّ ما قالوه لو بيّن أنّهم لا يستطيعون سبيلا إلى أمر معيّن ؛ فأمّا إذا لم يكن ذلك كذلك فلا متعلّق لهم.
فإن قيل : فقد ذكر تعالى من قبل ضلالهم ؛ فيجب أن يكون المراد بقوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى مفارقة الضلال.
قلنا : إنّه تعالى كما ذكر الضلال فقد ذكر ضرب المثل ؛ فيجوز أن يريد أنّهم