معاده وتدبّره ، فيقال : إنّه غير معتبر أو هو قليل الاعتبار. وقد يستوي في المعرفة بحال الشيء وإثبات حكمه نفسان ، فيوصف أحدهما بالاعتبار دون الآخر على المعنى الّذي ذكرناه. ولهذا يقولون عند الأمر العظيم : «إنّ في هذا لعبرة» وقال الله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) (١) وما روي عن ابن عبّاس خبر واحد لا يثبت بمثله اللّغة.
ثمّ لو صحّ ، لكان محمولا على المجاز بشهادة الاستعمال الّذي ذكرناه.
على أنّا لو سلمنا جواز استعمال الاعتبار ، لم يكن في الآية دلالة إلّا على ما ذكر فيها من أمر الكفّار ، وظنّهم أنّ حصونهم تمنعهم من الله تعالى ووقوع ما وقع بهم. وكأنّه قال تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) وليس يليق هذا الموضع بالقياس في الأحكام الشرعيّة ؛ لأنّه تعالى لو صرّح عقيب ما ذكره من حال الكفّار بأن قال : قيسوا في الأحكام الشرعيّة واجتهدوا ، لكان الكلام لغوا لا فائدة فيه ، ولا يليق بعضه ببعض ، فثبت أنّه أراد الاتّعاظ والتفكّر.
على أنّه يمكن أن يقال لهم : على تسليم تناول اللّفظ للقياس بإطلاقها ، ما تنكرون أنّا نستعمل موجب الآية بأن نقيس الفروع على الأصول في أنّنا لا نثبت لها الأحكام إلّا بالنصوص ؛ لأنّ هذا أيضا قياس ، فقد ساويناكم في التعلّق بالآية ، فمن أين لكم أنّ القياس الّذي تناولته الآية هو ما يذكرونه دون ما ذكرناه ، وكلاهما قياس على الحقيقة؟!.
وليس يمكنهم أن يقولوا : نجمع بين الأمرين ؛ لأنّهما يتنافيان ، والجمع بينهما لا يصحّ.
ولا لهم أيضا أن يقولوا : قولنا أرجح من حيث كان فيه إثبات الأحكام ، وقولكم فيه نفي لها ، وذلك لأنّ الترجيح بما ذكروه إنّما يصحّ متى ثبت كلا وجهي القياس ، فيصحّ الترجيح والتقوية ، فأمّا الخلاف فيهما هل يثبتان أو يثبت أحدهما؟ ؛ فلا طريق للترجيح.
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ٦٦.