[فيها أمران :]
[الأوّل :] وممّا يظنّ إعتبار الإمامية به القول : بأنّه لا شفعة لكافر على مسلم ، وأكثر الفقهاء يوجبون الشفعة للكافر ، ولا يفرّقون بينه وبين المسلم (١).
وقد حكي عن ابن حيّ أنّه قال : لا شفعة للذمّي في أمصار المسلمين التي إبتدأها المسلمون ؛ لأنّهم لا يجوز لهم سكناها ، ولا تملّكها ، ولهم الشفعة في القرى (٢). وإنفراد قول الإمامية عن قول ابن حيّ باق ، إلّا أنّه قد حكي عن الشعبي وأحمد بن حنبل أنّهما أسقطا شفعة الذمي على المسلم (٣) ، وهذه منهما موافقة للامامية.
والذي يدلّ على صحّة مذهبنا بعد الاجماع المتكرّر ذكره قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) ، ومعلوم أنّه تعالى إنّما أراد لا يستوون في الأحكام ، والظاهر يقتضي العموم إلّا ما أخرجه دليل قاهر. فان قيل : أراد في النعيم والعذاب بدلالة قوله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) قلنا : قد بيّنا في الكلام على أصول الفقه (٤) أنّ تخصيص إحدى الجملتين لا يقتضي تخصيص الأخرى وإن كانت لها متعقّبة (٥).
[الثاني :] أصحاب الشافعيّ يستدلّون بهذه الآية على أنّ المؤمن لا يقتل بكافر.
وطعن قوم على هذا الاعتماد منهم بأن قالوا : ما تعلّق الاستواء به غير مذكور ، ولا يمكن ادّعاء العموم فيه ، فهو كالمجمل الّذي لا ظاهر له.
وليس يمتنع التعلّق بهذا الآية ، لا سيّما على مذهب من يقول في كلّ شيء يحتمل لأشياء مختلفة : أنّ اللفظ إذا أطلق ، ولم يبيّن المتكلّم به أنّه قصد وجها بعينه ، حمل على العموم ، ولهذا يقولون في الأمر ـ إذا عري من ذكر وقت أو
__________________
(١ و ٢ و ٣) المغني (لابن قدامة) ، ٥ : ٥٥١.
(٤) الذريعة ، ١ : ٣٠٣ وتقدّم أيضا في البقرة : ٢٣٦.
(٥) الانتصار : ٢١٨.