الأوّل :] وممّا يظنّ انفراد الإمامية به القول : بأنّ الآيسة من النساء من المحيض إذا كانت في سنّ من لا تحيض لا عدّة عليها متى طلّقت ، وكذلك من لم تبلغ المحيض إذا لم يكن مثلها من تحيض لا عدّة عليها ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ، ويوجبون العدّة على الآيسة من المحيض ، وعلى التي لم تبلغه على كلّ حال (١) وعدّة هؤلاء عندهم الاشهر ، وهذا المذهب ليس بمذهب لجميع الإمامية وإن كان فيهم من يذهب إليه ، ويعوّل على أخبار آحاد في ذلك ، لا حجّة فيها (٢) ، فليس بمذهب لجميع الإمامية فيلحق بما أجمعوا عليه.
والذي أذهب أنا إليه أنّ على الآيسة من المحيض ، والتي لم تبلغه ، العدّة على كلّ حال من غير مراعاة للشرط الذي حكيناه عن أصحابنا.
والذي يدلّ على صحة هذا المذهب قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) وهذا نصّ صريح في أنّ الآيسات من المحيض واللائي لم يبلغن عدّتهن الاشهر على كلّ حال ؛ لأنّ قوله تعالى : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) معناه واللائي لم يحضن كذلك ، فان قيل : كيف تدعون أنّ الظاهر يقتضي إيجاب العدّة على ما ذكرتم على كل حال وفي الآية شرط وهو قوله تعالى : (إِنِ ارْتَبْتُمْ)؟ قلنا : أوّل ما نقوله : انّ الشرط المذكور في الآية لا ينفع أصحابنا ؛ لأنّه غير مطابق لما يشرطونه ، وإنّما يكون نافعا لهم الشرط لو قال تعالى : «إن كان مثلهن لا تحيض في الآيسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهن تحيض» ، وإذا لم يقل الله تعالى ذلك وقال عزوجل : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) وهو غير الشرط الذي يشرطه أصحابنا ، فلا منفعة لهم به.
وليس يخلو قوله تعالى : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) من أن يريد به ما قال جمهور المفسّرين وأهل العلم بالتأويل من أنّه تعالى أراد به إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها ، فقد رووا ما يقوي ذلك من أن سبب نزول
__________________
(١) البحر الزخّار ، ٤ : ٢٢٠.
(٢) مختلف الشيعة ، ٧ : ٤٦٦.