أَرْحامِهِنَ) إنّما هو في غير الحوامل ، فانّ من استبان حملها لا يقال فيها : لا يحلّ لها أن تكتم ما خلق الله تعالى في رحمها ، وإذا كانت هذه خاصّة في غير الحوامل لم تعارض آية الوضع ، وهي عامة في كل حامل من مطلّقة وغيرها (١).
[الثالث :] وممّا انفردت به الإمامية أنّ عدّة الحامل المتوفّى عنها زوجها أبعد الأجلين ، وتصوير هذه المسألة : أنّ المرأة إذا كانت حاملا فتوفّى عنها زوجها ، ووضعت حملها قبل أن تنقضي العدة أربعة أشهر وعشرة أيام لم تنقض بذلك عدّتها حتى تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإن مضت عنها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها لم يحكم لها بانقضاء العدّة حتى تضع الحمل ، فكان العدة تنقضي بأبعد هذين الأجلين مدّة ، إمّا مضي الأشهر أو وضع الحمل. وهذه المسألة يخالف فيها الإمامية جميع الفقهاء في أزماننا هذا ؛ لأنّ الفقهاء يحكون في كتبهم ومسائل خلافهم خلافا قديما فيها ، وأنّ أمير المؤمنين عليهالسلام وعبد الله بن عباس كانا يذهبان إلى مثل ما تفتي به الإمامية الآن فيها (٢) ، والحجة للامامية الاجماع المتردد في هذا الكتاب ، وأيضا فإنّ العدّة عبادة يستحقّ فيها الثواب ، وإذا بعد مداها زادت مشقّتها ، وكثر الثواب عليها في العدّة ، ومن وضعت حملها عقيب وفاة زوجها لا مشقّة عليها في العدّة ، وإذا مضت عليها أربعة أشهر وعشرة أيام كانت المشقة أكثر والثواب أوفر ، فقولنا أولى من قولهم.
فإن احتجّوا بظاهر قوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) ، وأنّه عام في المتوفّى عنها زوجها وغيرها عارضناهم بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٣) وأنّه عام في الحامل وغيرها ، ثمّ لو كانت آيتهم التي ذكروها عامّة الظاهر جاز أن نخصّها بدليل ، وهو إجماع الفرقة المحقّة الذي قد بيّنا أنّ الحجة فيه (٤).
__________________
(١) الانتصار : ١٤٨ وراجع أيضا الناصريات : ٣٥٩.
(٢) المغني (لابن قدامة) ، ٩ : ١١٠.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٤.
(٤) الانتصار : ١٤٩ وراجع أيضا الناصريات : ٣٥٩.