والّذي يحكى عن ابن عبّاس رحمهالله في قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦)) ، وأنّه قال : لا يغلب عسر يسرين (١) ، من حيث حمل العسر المعرّف على أن الثاني هو الأوّل ، واليسر المنكر على التغاير ، فممّا يربأ بابن عبّاس رحمهالله عنه ، لموضعه من الفصاحة والعلم بالعربيّة.
والمراد بالآية أنّ مع جنس العسر جنس اليسر ، وإن عرّف أحدهما ونكّر الآخر ولا فرق بين ذلك وبين أن يقول : إنّ مع العسر اليسر ، ويكرّر ، أو يقول : إنّ مع عسر يسرا ، ويكرّر ؛ لأنّ المنكّر يدلّ على الجنس كالمعرّف ، كما يقول القائل : مع خير شرّ ، ويقول تارة أخرى : إنّ مع الخير الشرّ ، وأراد الله تعالى أن يبيّن أنّ العسر واليسر لا يفترقان.
فإن قيل : فما الوجه في التكرار ، إذا لم تذهبوا إلى حسن التأكيد.
قلنا : الوجه في ذلك التكرار هو الوجه فيما تكرّر من القرآن في سورة الرحمن والمرسلات وغيرهما ، وقد ذكرنا في كتاب الغرر الوجوه المختلفة فيه (٢).
__________________
(١) انظر الطبري ، ٢١ : ١٠٧ وفيه : قال ابن عبّاس : يقول الله تعالى خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين ولن يغلب عسر يسرين.
(٢) الذريعة ، ١ : ١٢٦. وسيأتي نقل كلامه من الغرر ، ذيل تفسير سورة «الكافرين».