صحّت في أسودّ وأبيض ولو لا أنّه منقول لاعتلّت الواو ، فقلت : عارت وحالت ، كما قيل : خاف وهاب.
وحكى عن الفرّاء في ذلك جوابان :
أحدهما : أنّ «أفعل» في التعجّب فيه زيادة على وصف قبله إذا قال القائل أفضل وأجمل ، فهو أزيد في الوصف من جميل وفاضل ، ولم يقولوا : ما أبيض زيدا! لئلا يسقط التزيد ، ولا يكون قبل أبيض وصف يزيد أبيض عليه ، يخالف لفظه لفظه ؛ كما خالف أفضل وأجمل فاضلا وجميلا ، فلمّا فاتهم في أبيض وأحمر علم التزيد أدخلوا عليه ما تبين الزيادة فيه ، وقالوا : ما أظهر حمرة زيد : وما أشدّ سواد عمرو! لأنّ «أظهر» يزيد على ظاهر ، و «أشدّ» يزيد على شديد.
والجواب الآخر : أنّ التعجب مبنيّ على زيادة يصلح أن يتقدّمها نقص وتقصير عن بلوغ التناهي ، فقالوا : ما أعلم زيدا! ليدلّوا على زيادة علمه ؛ لأنهم في قولهم : عالم وعليم لم يبلغوا في التناهي مبلغ «أعلم» ، ولم يقولوا : ما أبيض زيدا! لأنّ البياض لا تأتي منه زيادة بعد نقص ، فعدلوا إلى التعجّب بأشدّ وأبين وما جرى مجراهما ، وهذا الجواب ليس بسديد ؛ لأنّ الألوان قد تتأتّي فيها الزيادة بعد نقص ، وقد تدخل فيها المفاضلة ، ألا ترى أنّ ما حلّه قليل أجزاء البياض يكون أنقص حالا من البياض مما حلّه الكثير من الأجزاء!
والجواب الأول الذي حكيناه عن الفراء أصوب ، وإن كان ما قدّمناه عن البصريين هو المعتمد وقد أنشد بعضهم معترضا على ما ذكرناه قول الشاعر :
يا ليتني مثلك في البياض |
|
أبيض من أخت بني إباض (١) |
وأنشدوا أيضا قول الشاعر (٢) :
__________________
(١) البيت في اللسان (بيض) ، وروايته فيه :
جاريّة في درعها الفضفاض |
|
أبيض من أخت بني إباض |
وفي حاشية بعض النسخ : «أبيض ، بالرفع على تقدير : أنت أبيض ، وبالفتح على أنه حال من أنا أو أنت. وإباض : اسم رجل».