أمّا الملوك فأنت اليوم ألأمهم |
|
لؤما وأبيضهم سربال طبّاخ |
فأمّا البيت الأول فإنّ أبا العباس المبرّد حمله على الشذوذ ، وقال : إنّ الشاذّ النادر لا يطعن في المعمول عليه ، والمتّفق على صحّته ، ويجوز أيضا أن يقال في البيت الثاني مثل ذلك ، وقد قيل في البيت الثاني : إنّ أبيض فيه ليس هو للمفاضلة ، وإنّما هو أفعل الذي مؤنثه فعلاء ، كقولك أبيض وبيضاء ؛ ويجري ذلك مجرى قولهم هو حسن [القوم وجها ، وشريفهم] خلقا ؛ فكأنّ الشاعر قال : ومبيضّهم ، فلمّا أضافه انتصب ما بعده لتمام الاسم ، وهذا أحسن من حمله على الشذوذ.
ويمكن فيه وجه آخر وهو أنّ أبيض في البيت وإن كان في الظاهر عبارة عن اللون فهو في المعنى كناية عن اللؤم والبخل ، فحمل لفظ التعجب على المعنى دون اللفظ ، ولو أراد بأبيضهم بياض الثوب ونقاءه على الحقيقة لما جاز أن يتعجب بلفظة «أفعل» ، فالذي جوّز تعجّبه بهذه اللفظة ما ذكرناه.
فأمّا قول المتنبي :
أبعد بعدت بياضا لا بياض له |
|
لأنت أسود في عيني من الظّلم(١) |
فقد قيل فيه إنّ قوله : «لأنت أسود في عيني» كلام تام ، ثمّ قال : «من الظلم» أي من جملة الظّلم ؛ كما يقال : حرّ من أحرار ، ولئيم من لئام ؛ أي من جملتهم ، وقال الشاعر(٢) :
__________________
(١) في حاشية بعض النسخ : «قال السيد المرتضى رضي الله عنه : هو لطرفة ؛ وإنّما أراد ذمه بقلة القرى في بيته ، فطباخه نقي الثوب».
واليت في ديوانه : ١٥ ، وروايته فيه :
إن قلت نصر فنصر كان شرّ فتى |
|
قدما وأبيضهم سربال صبّاخ |
وهو أيضا في اللسان (بيض) ، وروايته فيه :
إذ الرجال استووا واشتدّ أكلهم |
|
فأنت أبيضهم سربال طبّاخ |
(٢) ديوانه : ٤ / ٣٥ ؛ وهو يخاطب الشيب ، وقبله :
ضيف ألمّ برأسي غير محتشم |
|
والسّيف أصدق فعلا منه بالّلمم |