ما يلزم به إزالته عن الوجه الذي وضع له ؛ ولذلك يصير ما تكلّم به كأنّه لا حكم له ؛ ولذلك يصحّ على هذا الوجه أن يستثنى في الماضي فيقول : قد دخلت الدار إن شاء الله ، ليخرج بهذا الاستثناء من أن يكون كلامه خبرا قاطعا أو يلزمه حكم.
وإنّما لم يصحّ دخوله في المعاصي على هذا الوجه ؛ لأنّ فيه إظهار الانقطاع إلى الله تعالى ؛ والمعاصي لا يصحّ ذلك فيها ؛ وهذا الوجه أحد ما يحتمله تأويل الآية. وقد يدخل الاستثناء في الكلام فيراد به اللطف والتسهيل.
وهذا الوجه يخصّ الطاعات ، ولهذا الوجه جرى قول القائل : لأقضينّ غدا ما عليّ من الدين ، ولأصلّينّ غدا إن شاء الله مجرى أن يقول : إنّي أفعل ذلك إن لطف الله تعالى فيه وسهّله ؛ فعلم أنّ المقصد واحد ، وأنّه متى قصد الحالف فيه هذا الوجه لم يجب إذا لم يقع منه هذا الفعل أن يكون حانثا وكاذبا ، لأنّه إن لم يقع علمنا أنّه لم يلطف له ، لأنّه لا لطف له.
وليس لاحد أن يعترض هذا بأن يقول : الطاعات لا بدّ فيها من لطف ؛ وذلك لأنّ فيها ما لا لطف فيه جملة ، فارتفاع ما هذه سبيله يكشف عن أنّه لا لطف فيه ، وهذا الوجه لا يصحّ أن يقال في الآية أنّه يخص الطاعات ؛ والآية تتناول كلّ ما لم يكن قبيحا ؛ بدلالة إجماع المسلمين على حسن الاستثناء ما تضمّنته في كلّ فعل لم يكن قبيحا.
وقد يدخل الاستثناء في الكلام ويراد به التسهيل والإقدار والتخلية والبقاء على ما هي عليه من الأحوال ؛ وهذا هو المراد به إذا دخل في المباحات.
وهذا الوجه يمكن في الآية إلّا أنه يعترضه ما ذكره أبو عليّ ممّا حكيناه من كلامه.
وقد يذكر استثناء المشيئة أيضا في الكلام وإن لم يرد به في شيء ممّا تقدم ؛ بل يكون الغرض إظهار الانقطاع إلى الله تعالى من غير أن يقصد إلى شيء من الوجوه المتقدّمة.