فيها إلى الزلل ؛ لأنّ الكلام وإن كان محتملا لما ذكره بعض الاحتمال من بعد ، فإنّ الأولى والأظهر في معنى ما تقدّم ذكره من المبالغة في وصفهم وقوله تعالى : (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) بعد ما تقدّم لا يليق إلّا بالمعنى الذي ذكرناه ؛ لا سيما إذا حمل اليوم على أنّ المراد به يوم القيامة ؛ على أنّ أبا عليّ جعل قوله تعالى : (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) من صلة قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) وتأوّله على أنّ المعنيّ به أعلمهم وبصرّهم بأنّهم يوم القيامة في ضلال عن الجنّة. والكلام يشهد بأنّ ذلك لا يكون من صلة الأوّل وأنّ قوله تعالى : (لكِنِ) استئناف لكلام ثان.
وما يحتاج أبو عليّ إلى هذا ؛ بل لو قال على ما اختاره من التأويل : أنّه أراد أسمعهم وأبصرهم يوم يأتوننا أي ذكّرهم بأهواله ، وأعلمهم بما فيه ؛ ثمّ قال مستأنفا. (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) لم يحتج إلى ذكره ؛ وكان هذا أشبه بالصواب.
فأمّا الوجه الثاني الذي ذكره فباطل ، لأنّ قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) إذا تعلّق بالأنبياء الذين ذكرهم الله تعالى بقي قوله (يَوْمَ يَأْتُونَنا) بلا عامل ومحال أن يكون ظرف لا عامل له ؛ فالأقرب والأولى أن يكون على الوجه الأوّل مفعولا.
ووجدت بعض من اعترض على أبى عليّ يقول رادّا عليه : لو كان الأمر على ما ذهب إليه أبو عليّ لوجب أن يقول تعالى : أسمعهم وأبصرهم بغير باء ، وهذا الردّ غير صحيح ؛ لأنّ الباء في مثل هذا الموضع غير منكر زيادتها ؛ وذلك موجود كثير في القرآن والشعر ؛ قال الله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) ، (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (٢) ، (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) (٣) ، (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (٤).
وقال الأعشى :
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا
__________________
(١) سورة العلق ، الآية : ١.
(٢) سورة الإنسان ، الآية : ٦.
(٣) سورة مريم ، الآية : ٢٥.
(٤) سورة الممتحنة ، الآية : ١.