وقال قتادة وابن زيد : ذلك والله يوم القيامة ؛ سمعوا حين لم ينفعهم السمع ، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر.
وقال أبو مسلم بن بحر في تأويل هذه الآية كلاما جيّدا قال : معنى (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ما أسمعهم! وما أبصرهم! وهذا على طريق المبالغة في الوصف ؛ يقول : فهم يوم يأتوننا أي يوم القيامة سمعاء بصراء ؛ أي عالمون وهم اليوم في دار الدنيا في ضلال مبين ، أي جهل واضح. قال : وهذه الآية تدلّ على أنّ قوله : (بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١) ليس معناه الآفة في الأذن ، والعين والجوارح ؛ بل هو أنّهم لا يسمعون عن قدرة ، ولا يتدبّرون ما يسمعون ، ولا يعتبرون بما يرون ؛ بل هم عن ذلك غافلون ؛ فقد نرى أنّ الله تعالى جعل قوله تعالى : (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) مقابلا لقوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) ، أي ما أسمعهم! وما أبصرهم! فأقام تعالى السمع والبصر مقام الهدى ؛ إذ جعله بإزاء الضلال المبين.
وأمّا أبو علي بن عبد الوهّاب فإنّه اختار في تأويل هذه الآية غير هذا الوجه ، ونحن نحكي كلامه على وجهه ، قال : وعنى بقوله : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي أسمعهم وبصّرهم وبيّن لهم أنّهم إذا أتوا مع الناس إلى موضع الجزاء سيكونون في ضلال عن الجنّة وعن الثواب الذي يناله المؤمنون والظالمون الذين ذكرهم الله تعالى هم هؤلاء توعّدهم بالعذاب في ذلك اليوم.
ويجوز أيضا أن يكون عنى بقوله : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ، أي أسمع الناس بهؤلاء الأنبياء وأبصرهم بهم ؛ ليعرفوهم ويعرفوا خبرهم ، فيؤمنوا بهم ، ويقتدوا بأعمالهم.
وأراد بقوله تعالى : (لكِنِ الظَّالِمُونَ) لكن من كفر بهم من الظالمين اليوم ـ وهو يعني يوم القيامة ـ في ضلال عن الجنّة ، وعن نيل الثواب ، مبين.
وهذا الموضع من جملة المواضع التي استدركت على أبي علي ، وينسب
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٧١.