وما معنى قوله تعالى : (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)؟ أيّ يوم هو اليوم المشار إليه؟ وما المراد بالضلال المذكور؟.
الجواب : قلنا : أمّا قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ؛ فهو على مذهب العرب في التعجّب ؛ ويجري مجرى قولهم : ما أسمعه! وما أبصره! والمراد بذلك الإخبار عن قوّة علومهم بالله تعالى في تلك الحال ؛ وأنّهم عارفون به على وجه الاعتراض للشبهة عليه ؛ وهذا يدلّ على أنّ أهل الآخرة عارفون بالله تعالى ضرورة ؛ ولا تنافي بين هذه الآية وبين الآيات التي أخبر تعالى عنهم فيها بأنّهم لا يسمعون ولا يبصرون ؛ وبأنّ على أبصارهم غشاوة ؛ لأنّ تلك الآيات تناولت أحوال التكليف ، وهي الأحوال التي كان الكفّار فيها ضلّالا عن الدين ، جاهلين بالله تعالى وصفاته. وهذه الآية تتناول يوم القيامة ؛ وهو المعنى بقوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتُونَنا) ؛ وأحوال القيامة لا بدّ فيها من المعرفة الضرورية. وتجري هذه الآية مجرى قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (١).
فأمّا قوله تعالى : (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فيحتمل أن يريد تعالى بقوله : (الْيَوْمَ) الدّنيا وأحوال التكليف ؛ ويكون الضلال المذكور إنّما هو الذّهاب عن الدين والعدول عن الحقّ ، فأراد تعالى أنّهم في الدنيا جاهلون ، وفي الآخرة عارفون ؛ بحيث لا تنفعهم المعرفة. ويحتمل أن يريد تعالى باليوم يوم القيامة ؛ ويعنى تعالى «بالضلال» العدول عن طريق الجنّة ودار الثواب إلى دار العقاب ؛ فكأنّه قال : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) غير أنّهم مع معرفتهم هذه وعلمهم يصيرون في هذا اليوم إلى العقاب ؛ ويعدل بهم عن طريق الثواب.
وقد روي معنى هذا التأويل عن جماعة من المفسّرين فروي عن الحسن في قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) قال : يقول تعالى : هم يوم القيامة سمعاء بصراء ؛ لكن الظالمون اليوم في الدنيا ليسوا سمعاء وبصراء ؛ ولكنّهم في ضلال عن الدين مبين.
__________________
(١) سورة ق ، الآية : ٢٢.