ما أنزل عليه إلى النّاس يكون رسالة. كما أنّ أمر الله تعالى ذلك الرسول بإخراجها في النّاس وإقامته فيهم يكون إمامة ، وبين الجميع تصادق في الجملة والحقيقة واحدة ولكن لها مراتب مختلفة.
ويصح انفكاك الأول عن الأخيرين كما في جمع كثير من الأنبياء (عليهمالسلام) مثل لوط ، ويونس ، وهود وغيرهم. كما يصح انفكاك الأخير عن الأولين ، كخلفاء رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ويصح اجتماع الجميع كما في إبراهيم وموسى وعيسى وخاتم النبيين (صلّى الله عليهم). فلا ملزم أن يكون كل نبي أو رسول إماما كما لا ملزم أن يكون كل إمام نبيا أو رسولا. ولها فروع منها القضاوة التي هي الحكم بين النّاس بالحق بإذن من إمام الأصل (عليهالسلام) ، كما فصل في الفقه.
فالإمامة هي السلطة الفعلية الإلهية على تنظيم أمور الرعية بما يريده رب البرية ، ولا ريب في أنها أعلى مقامات الإنسانية لكونه أمين الله تعالى في خلقه وأمين الخلق بينهم وبين الله تعالى ؛ فلا بد أن يكون أعلم النّاس بأحكام الله تعالى ، وأتقاهم في دينه ، وأعقلهم وأسوسهم في ترتيب أمور العباد وتنظيم البلاد بما يفاض عليه من الله تعالى ، كما في نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) وإبراهيم (عليهالسلام) ، أو من الشريعة التي يتدين بها ، كما في الأئمة الهداة المعصومين (عليهمالسلام).
ثم إنه ذكر جمع من المفسرين أن المراد بالإمامة في المقام النبوة لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) من يقتدي به النّاس ويؤتم به فليست الإمامة شيئا زائدا على النبوة والرسالة الإلهية.
ولكن التأمل في الآية المباركة وسائر الآيات الشريفة النازلة في سياقها يرشد إلى أنها غير الرسالة ، وأن الإمامة كانت بعد الرسالة.
أما أولا : فلأن ظاهر قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) أن الابتلاء والامتحان كان بعد وجدان ابراهيم (عليهالسلام) لمرتبة النبوة وخروجه عن الامتحانات الإلهية وإتمامه لهنّ ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) إذ الظاهر أنّ الجعل تعلق بأمر جديد وكان بعد خروجه عن