استعمال البعض في الكل ، لأهمية ذلك البعض أولا ، وتقوّم أكل به ثانيا ، والإضافة إلى الذات وسقوط سائر الإضافات ثالثا. وعليه فالاختلاف بين العلماء في معنى الوجه ليس اختلافا حقيقيا ، وإنما هو لأجل الكشف عن الذات ، فقول الفقهاء في الوجه في المقام بأن المراد به هو مقاديم البدن إنما ذكر بنحو الكشف عن الذات والنفس الذي هو قول الفلاسفة ، كما أن قول اللغوي فيه بأنه الجارحة الخاصة أي تلك الجارحة الحاكية عن الذات أيضا ، وليس المراد به الموضوعية الخاصة وإلّا كان لغوا وباطلا إلّا إذا دلت القرينة على أن المراد به الموضوعية الخاصة ، كما في آية الوضوء ونحوها. وحينئذ يصح أن يقال : بأن المراد بالوجه هو توجيه الأعضاء إلى أوامر الله تعالى الكاشف عن توجيه الذات إليها على نحو يسري الخضوع والخشوع على سائر الأعضاء من الذات الخاضعة ، وليس المراد هو توجيه الأعضاء فقط الذي يجل مقام النبي (صلىاللهعليهوآله) وسائر عباد الله المخلصين عن ذلك ، وآية الوضوء وإن أخذ الوجه فيها على نحو الموضوعية لكن من حيث اعتبار القربة في الغسلات والمسحات المنبسطة على الذات لوحظ بنحو الطريقية أيضا. هذا إذا استعمل اللفظ في الإنسان ، وأما إذا استعمل في الله عزوجل ، فيأتي شرحه في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
الثاني عشر : يستفاد من قوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) في السماء أنه (صلىاللهعليهوآله) في جميع حالاته يطلب رضاء الله تعالى وينتظر أمره ، وأن طلبه ـ بلسان الحال دون المقال ، لكونه أقرب إلى أدب العبودية وابلغ إلى نيل المقصود.
ثم إنّ للتوجه إلى الكعبة المقدسة نحو ابتهاج للكعبة ابتهاجا معنويا لأن التوجه في العبادة إليها ، والطواف حولها كاشف عن غاية عناية الله تعالى بها. وهي نهاية الابتهاج لكل موجود ، ويشهد له ما ورد في توجيه الموتى عند الدفن إلى الكعبة ففي الحديث : «كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بمكة وأنه حضره الموت وكان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والمسلمون يصلون إلى البيت المقدس فأوصى البراء إذا