تبارك وتعالى ، قال (عليهالسلام) : «كيف أصفه بحيث ، وهو الذي حيّث الحيث حتّى صار حيثا» ، وفي بعض الأخبار : «وهو الذي أيّن الأين وأوجده». وفي مثل هذه الأحاديث إشارة إلى رد ما أثبته أكابر الفلاسفة من عدم الجعل التأليفي بين الماهية وذاتياتها ، كما يأتي في البحث الفلسفي إن شاء الله تعالى.
والمعنى : أنه من أيّ مكان خرجت وإلى أية جهة توجهت فول وجهك شطر المسجد الحرام.
وقد تكرر قوله تعالى : (مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) في هذه الآيات المباركة ، وذلك لأن الكعبة المقدسة قبلة لأهل العالم ، والعالم متقوم بالمكان والزمان والجهة ويمكن أن تكون كل جملة إشارة إلى خصوصية من تلك الخصوصيات الثلاث ، ومن ذلك تعدد جهات الخروج من المشرق والمغرب ، والشمال والجنوب ، وفي جميع الأمكنة من البر والبحر والجو.
مع أن مخالفة اليهود والنصارى تستلزم التأكيد والتكرار ، وبيان ان هذه القبلة على خلاف قبلة أهل الكتاب في أنه يمكن التوجه إليها من جميع بقاع الأرض المختلفة شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ). تثبيت للمطلب وتأكيد للموضوع من وجوه أربعة : «إنّ» ، و «لام» التأكيد ، ولفظ «الحق» وجملة «من ربك».
والضمير في «أنّه» يرجع إلى التوجه إلى المسجد الحرام ، وسياق الكلام يدل على أنه كان حقا أزلا وهو كذلك أبدا ؛ وان كل توجه في العبادة بخلافه يكون باطلا ، ولذا أوعد الله تعالى على من خالف ذلك.
قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). أي أنّ الله ليس بغافل عن أعمالكم ، لأنه عالم بما سواه حتّى خطرات القلوب ولحظات العيون فلا يتوهم الغفلة بالنسبة إليه مع هذا الحضور الفعلي والاستيلاء المطلق على كل شيء ، وهو المهيمن على الجميع ، فهو الذي يتولى الجزاء على أعمالكم خير الجزاء.