ومادة (نعم) تأتي بمعنى الحالة الحسنة ، وتستعمل بالنسبة إلى الإنسان فقط دون غيره ، وفي جميع حالاته ونشآته في الدنيا والآخرة ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة.
وقد ذكرت هذه الجملة في موارد من القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة المائدة ، الآية : ٦] ، وقال تعالى : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [سورة النحل ، الآية : ٨١] إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. ونعم الله تعالى كثيرة لا يمكن عدها ، وهي إما معنوية أو مادية أو هما معا. وتكاليف الله سبحانه وتعالى من النّعم على الإنسان فإنها تقع في طريق استكماله وما يترتب عليها من الفوائد.
وتمامها إنما يكون لأجل انها تقع في سبيل سعادة الإنسان في الدارين وارتقائه إلى درجات الكمال ، وفي الحديث عن علي (عليهالسلام) : «تمام النعمة الموت على الإسلام» ، وعن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : «تمام النعمة دخول الجنّة».
والمنساق من إتمام النعمة في المقام ـ بعد جعل الإمامة وبناء البيت ـ استقلال المسلمين بقبلة تخصهم ، وتطهير دينهم من آثار الشرك والضلال ، واستيلاء المسلمين على غيرهم بالحجة والبيان إلى غير ذلك من النّعم التي أراد سبحانه جعلها حكمة لتشريع تحويل القبلة.
وذكر بعض المفسرين أنّ في هذه الآية بشارة إلى فتح مكة ، لأنه عزوجل ذكر في سورة الفتح ، الآية ٢ : (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) وقد ذكرت ـ بعد الفتح ـ النصرة منه تعالى. والقرينة على ان المراد من النعمة ذلك قوله تعالى بعد ذلك : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).
ولكنه مخدوش بأن مجرد التشابه اللفظي في الموضعين لا يوجب اتحاد النعمتين في الموردين إلّا مع قرينة خاصة. نعم لو أريد تشابه النعمة في مطلق جنسها فهو صحيح لا اشكال فيه ، إلّا انه خلاف ظاهر كلامه.