فيكون المعنى : لئلا يكون للنّاس عليكم حجة إلّا حجة الظالمين الحاصلة عن اعتقادهم وظلمهم ومحاجتهم بعد ظهور الحق ، نظير قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [سورة الشورى ، الآية : ١٦].
كما يصح أن يكون الاستثناء منقطعا إن خصصنا المستثنى منه بخصوص الحجة الصحيحة ، فيحتاج الكلام إلى مقدمة مطوية ، وهي انه إن كان على المؤمنين حجة ، فهي لا تكون إلّا من الظالم ، ولا حجة للظالم فليس عليهم حجة مطلقا ، فان الظالم لا ينقطع عن اللجاج والعناد والإحتجاج حسب الأهواء الباطلة والآراء المزيفة وما يمليه عليه ظلمه. ومثل هذا متعارف في المحاورات الفصيحة ، قال النابغة :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
أي : لو كان فيهم عيب فهذا عيبهم ، وهو ليس بعيب إذا لا عيب فيهم مطلقا.
قوله تعالى : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي). الخشية : هي الخوف المشوب بالتعظيم وإنّها أعم موردا من مطلق الخوف ، لإطلاقها على الجمادات ، قال تعالى : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [سورة البقرة ، الآية : ٧٤]. وأخص منه مفهوما لأنها مشوبة بالتعظيم.
والمعنى : لا موضوع لخشيتهم لفرض بطلان طريقتهم فتنحصر الخشية من الله تبارك وتعالى ، لأنه الحق والخشية لا بد وان تكون من الحق.
قوله تعالى : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ). هذا هو الأمر الثاني ، والتمام : انتهاء الشيء وكماله بحيث لا يحتاج إلى شيء خارج عنه ، ويستعمل بالنسبة الى جميع الأمور المادية ـ جواهرها وأعراضها ـ والأمور المعنوية ، قال تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [سورة التوبة ، الآية : ٢٣].