وفيه : ان هذه القضية إنما تكون بعد الجعل والتحقق ، وأما قبلهما فليس إلّا العدم المحض ويستوي الثبوت وعدمه بالنسبة إليه ، وقد اشتهر بين الفلاسفة : ان الشيء من ذاته ليس ، ومن علته أيس (الوجود) فلا مجرى لتلك القضية وإن أطالوا القول فيها في الفلسفة.
بل قد نسب إلى بعض أكابرهم تعيين القول بذلك حذرا من تعدد القدماء ، فان الذوات في مرتبة الذات متميزة فلو لم تكن مجعولة يلزم المحذور. ودفعه : بأن الشيئية مساوقة للوجود ؛ وقبله لا شيء حتّى يلزم العدم. مخدوش : بأنّ اعتبار الذات أمر واعتبار الوجود أمر آخر ، ولا ربط لأحدهما بالآخر. والمسألة مشكلة تعرضوا لها في مواضع في الفلسفة : منها مسألة اصالة الوجود في التحقق ، واصالته في الجعل ، وربط الحادث بالقديم كما يأتي. ولا مفرّ عنه إلّا بما يظهر عن أئمة الدين (عليهمالسلام) من أن قدرته التامة الأزلية تتعلق بتذويت الذوات وإخراجها من العدم إلى الوجود ، وانه كان ولم يكن معه شيء ـ بأي معنى من معاني المعية ولو اعتبارا ـ وقدرته الكاملة على ما سواه بحيث لا يحيط بمعناها أحد وإنما عرّفها أئمة الدين (عليهمالسلام) بقولهم : «لا يعجزه شيء» كل ذلك يقتضي ما ذكرناه.
إن قيل : إنّ الموضوع محال وقدرته تعالى لا تتعلق بالمحال. يقال : على فرض المحالية فهو محال اعتقادي لا محال واقعي ، وما لا تتعلق القدرة به هو الثاني دون الأول.
وقد نقل عن بعض الفلاسفة الأقدمين أنّ المبدأ مذوّت الذوات وجاعلها ، والقدرة الكاملة الأزلية إنما تحصل بذلك.
ثم إنّ جميع الفلاسفة اتفقوا على أن ما سواه تعالى مركب من ماهية ووجود ، بلا فرق بين المجردات ، والماديات بمراتبها الكثيرة التي لا حد لها بوجه ، وجعلوا ذلك من القواعد الفلسفية المسلّمة التي يستدلون بها في الفلسفة وهي قاعدة : «إن كل ممكن زوج تركيبي من ماهية ووجود» ، فالبساطة الحقيقية منحصرة به تبارك وتعالى ، وتدل عليها نصوص السنة المقدسة وظواهر الكتاب المبين. والتركيب والتركّب يلازمان الحدوث ،