إن قيل : ذكره تعالى حين ارتكاب ما لا يرتضيه الله عزوجل كيف يكون محبوبا له تعالى. (يقال) : إنّ الذكر إذا كان على نحو الاستخفاف والاستهانة ـ نعوذ بالله ـ فلا ريب في أنه ليس من الذكر بل يوجب الكفر والبعد عن ساحة الرحمن. وأما إذا كان من باب انه تعالى ستّار العيوب ، وغفار الذنوب فهذا يوجب الحياء منه تعالى ولو في ما بعد ، فينتهي إلى التوبة والاستغفار فيكون محبوبا له.
قوله تعالى : (أَذْكُرْكُمْ). للمفسرين في بيان متعلق الذكر أقوال :
منها : اذكروني بطاعتي أذكركم برحمتي ، أو أذكركم بمعونتي.
ومنها : اذكروني بالشكر على نعمائي أذكركم بالزيادة إلى غير ذلك مما قالوه.
والحق هو الحمل على العموم وهو ذكر الله تعالى في كل مظهر من مظاهر العبودية حتّى يدرك ذكر الله تعالى في كل مظهر من مظاهر رحمته وجوده ، ومنه ما ورد في الحديث : «أنا عند ظن عبدي المؤمن إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ـ الحديث ـ» وهو يجازي عبده بالجزاء الأوفى ويعد له باللطف والكرامة والإحسان ومزيد في النعم ويضاعف لمن يشاء إنه ذو فضل عظيم.
فلا يختص ذكره تعالى لذاكريه بعالم دون آخر ولا بحالة دون أخرى.
ثم إن ترتب قوله تعالى : (أَذْكُرْكُمْ) على «اذكروني» من باب ترتب المعلول على العلة التامة ، لأن التوجه الفعلي من العبد الى الله عزوجل ذكر منه تعالى للعبد بعناياته الخاصة ، فيكون هذا المعنى من الذكر من الصفات ذات الإضافة ، فان أضيف إلى العبد يكون ذكرا منه ، وإن أضيف اليه عزوجل يكون من ذكر الله تعالى له.
وقد يكون من باب ترتب المقتضى [بالفتح] على المقتضي [بالكسر] لاختلاف مراتب الذكر والذاكر كما هو معلوم ، والظاهر أن ملازمة الذكر للذكر من الملازمات المتعارفة بين العقلاء فهو حسن لديهم ويكون من الله تعالى