الرابع : المراد بحياة الشهداء في سبيل الله تعالى الحياة الكريمة الدائمية الأبدية التي هي في جوار الله تعالى من أول مفارقة أرواحهم لا خصوص الحياة البرزخية فانها تعم الجميع حتّى الكفار والمنافقين ، ولا الحياة الذكرى فانها أيضا قد تكون لغير الشهيد ويصح إرادة الجميع كما تقدم ما يدل عليه.
الخامس : لم يذكر متعلق البشارة في قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ليفيد العموم ـ كما هو المشهور بين علماء الأدب ـ وتعظيما للمبشر به. فكل شيء يذكر فيه يكون تحديدا بلا دليل وهي لا تختص بالمقامات الأخروية بل تعم الجميع ولا يصل إليها أحد إلّا بالصبر.
السادس : يستفاد من حرف القسم والتأكيد في قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) أنّ الإنسان لا ينفك عن المصائب والبلايا وهي إما نوعية أو شخصية وكل منهما إما جسمية أو روحية أو هما معا. والدنيا لا تخلو عنها أبدا وهي من لوازم وجودها بل من لازم ذاتها وقد عرّفها علي (عليهالسلام) في خطبه المباركة بأحسن بيان. ويختلف أجر الصابر باختلاف المصائب واختلاف المصابين فإما أن تكون المصائب لحبط السيئات أو لرفع الدرجات أو التفضل بهما معا وينطبق على كل بحسبه.
السابع : إنّ ذكر البشارة وتعيين المبشر به بالإجمال يدل على رفعة مقام الشهداء والصابرين وعلوّ درجتهم وان لا يدنسوا هذا المقام الرفيع بحطام الدنيا فإن أجرهم معلوم ، وهذا من قبيل تقديم ذكر الأجر قبل العمل الذي حثّ عليه الشرع المبين.
الثامن : إنّما ذكر سبحانه الاستعانة بالصبر والصّلاة لأنهما أقوى سبب في تكميل النفس ثم بين أنه تعالى مع الصابرين ترغيبا لهم وتخفيفا من معاناة الصبر لكثرة مرارته ، ثم عقب سبحانه بعد ذلك الجهاد في سبيله لكونه من أجلّ المقامات وارفعها ثم ذكر الابتلاء والامتحان لأنهما مما يوجب الثبات والاطمئنان في تحصيل الكمالات المعنوية ، ثم ذكر بعض ما يفيضه على الممتحنين من أنحاء العطف والرحمة كل ذلك مقدمة لما يأتي في الآيات