أما الأول : فقد استدلوا بجملة من الآيات المباركة ، منها تلك الآيات التي أضيفت الروح فيها إلى الله تعالى حدوثا ؛ كقوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [سورة الإسراء ، الآية : ٨٥] ، وقوله تعالى : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [سورة الحجر ، الآية : ٢٩] أو أضيفت اليه تعالى بقاء ، كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [سورة الأنعام ، الآية : ٦٠] إلى غير ذلك من الآيات الظاهرة في أن هذه الإضافة المطلقة ـ بلا ذكر سبب مادي أصلا لا مقارنا ، ولا سابقا ، ولا لاحقا ـ إلى الله تعالى المنزه عن توهم المادة تدل على التجرد بوضوح إذ لا بد أن يكون المنسوب اليه تعالى منزها عن المادة أيضا. والإهمال فيه مع كثرة أهمية الموضوع ، وقيام نظام الدنيا والآخرة به يكون قبيحا عقلا ، لأن الأمر دائر فيه بين النفي والإثبات فإما أن يكون مجردا محضا ؛ أو ماديا لا بد وأن يذكر فيه الجهة المادية ولو في آية أخرى.
ومنها : الآيات الكثيرة الدالة على التعقل والتفكر وذم التغافل عنها فإن ذلك لا يتحقق إلّا في ما هو مجرد عن المادة خصوصا على ما أثبته أكابر الفلاسفة وأعاظمهم من اتحاد العاقل والمعقول ، وسنبين هذا البحث النفيس في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
ومنها قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) [سورة الفجر ، الآية : ٢٧] وغير ذلك من الآيات التي تدل بظاهرها على تجرد النفس وبقائها بعد الموت وانتقالها من البدن المادي إلى بدن آخر برزخية أخروية.
أما الثاني : أي الاستدلال بالسنّة الشريفة ، وهي نصوص كثيرة وردت في أبواب متفرقة ، ومنها قول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام» ، ولا ريب في دلالته على سبق الحدوث والتجرد في الجملة ، وهل المراد بألفي عام الأعوام الربوبية ، أو الأعوام الزمانية في عالمنا هذا؟ لم يتضح ذلك إلى الآن حق الوضوح. ثم ما وجه التخصيص بألفين دون غيرهما.