على أنّ الإعتقاد كان على خلاف ذلك فأراد سبحانه وتعالى إعلام النّاس بشعيرتهما ونفي ما كان معتقدا عندهم.
ومما ذكرنا يعرف أنّ التطوع بالسعي أمر مرغوب فيه ، لأنه خير ومن تعظيم شعائر الله تعالى ، ولا يستفاد منه الاستحباب الشرعي المصطلح عليه في الفقه ولا سيما مع القرينة المزبورة على الخلاف. ولذلك وردت الروايات الدالة على وجوب السعي لعدم التنافي بينه وبين ظاهر الآية الشريفة ، وتقدم في البحث الروائي ذكر بعض الروايات والتفصيل يطلب من كتابنا [مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام].
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢))
سبق وأن ذكر سبحانه عناد أهل الكتاب والكفار في إنكار الحق وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وفي هذه الآيات يبين نوعا آخر من عنادهم ، وهو أنهم يكتمون ما أنزل الله تعالى إما بإنكار أصله او بتحريفه عن مواضعه ، وهو ظلم عظيم يعرف من عظم ما أوعد عليه الله تعالى مما أوجب طردهم من رحمته كما طرد من رحمته كل من مات منهم على الكفر فأوجب خلودهم في النّار.
ولعل في ذكر آية الكتمان بعد ذكر آيات القبلة وبعض أعمال الحج إشارة إلى لزوم الاهتمام بالاعتناء بأحكامه وإن كان يصعب على بعض العقول درك بعض أسرارها.
التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى). الكتمان إخفاء الحق وستره خصوصا مع الحاجة الى الإظهار والبيان. وقد يستعمل في إظهار الخلاف وإزالة الشيء عن موضعه ووضع آخر مكانه. والبينات : هي