اعترض على الإنسان ذنب يرى نفسه بين أمرين مخيرا بينهما إما الفعل وما يتعقبه من الآثار ، أو الترك وما يلزمه من راحة النفس والفوز بالسعادة ، وهذا وجداني لكل فاعل مختار ، فإذا عزم على الفعل وأقدم على الارتكاب تحصل في نفسه حالة خاصة توجب الندامة والخجل والحياء المسمى ب (تأنيب الضمير) في علم النفس المعاصر ، وقد اعتبر الشارع هذه الحالة هي التوبة ؛ قال نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «التوبة الندامة» وعن الصادق (عليهالسلام) : «كفى بالندم توبة».
والسر في ذلك : أنّ هذه الحالة تكشف عن تغليب العقل والقوى الخيرة على الجانب الآخر ، وهي تدعو إلى ترك الذنب في المستقبل والارتداع عن المعصية ، ولذا قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) : «إنّ الندم على الشر يدعو إلى تركه» ، وتتكرر هذه الحالة النفسية عقيب كل ارتكاب للمعصية ما لم تترسخ المعاصي في النفس فيهون عنده ارتكاب الذنوب واقتراف الآثام فيستولي عليه الفساد بالإصرار ويقسو قلبه ، وهذه هي حالة إحاطة الخطيئة بالإنسان كما ورد في القرآن الكريم ، وقد أشار تعالى إليها بقوله عزوجل : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [سورة المطففين ، الآية : ١٤]. وتزول هذه الحالة بإتيان الأعمال الصالحة ومزاولة الطاعات وتقوية النفس بالحسنات وترويضها بالأخلاق الفاضلة.
ومن ذلك يعلم أن تعريف التوبة بالندم هو أقرب إلى ما يتحصل من الروايات ، واما تعريفها بالرجوع والارتداع عن المعصية في المستقبل فهو تعريف باللازم الحاصل من الندم.
وإذا عرفت أن التوبة حقيقة هي الندم فلا بد وان يكون منبعثا عن حرقة القلب والشعور بالحياء منه عزوجل والخجل عن ما صدر منه كما في بعض الروايات «إن الرجل يذنب فلا يزال خائفا ماقتا لنفسه فيرحمهالله فيدخله الجنّة».
وأما إذا كان الندم حاصلا من اطلاع الغير عليه ، أو خوفه من إعراض المجتمع عنه ، أو سقوط منزلته عند النّاس فلا أثر له ، بل لا بد من ان تسوءه