العقل أيضا ، وقد ورد الأمر به والحث عليه في ما يقرب من خمسين آية بعبارات مختلفة تشمل جميع أصناف خلقه بما فيها العلوم والحرف والصناعات إلّا ما نهى عنه في الشرع كما هو مفصل في الفقه.
السابع : بيّن سبحانه في هذه الآيات ما يحب التأمل والتعقل والتفكر فيه ، وهو خلق الله دون ذاته تعالى ، والسنة متواترة في ذلك فقد ورد عن الأئمة الهداة (عليهمالسلام) : «تفكروا في آيات الله ولا تتفكروا في الله».
الثامن : إنّ الآيات المتقدمة وما في سياقها في مقام سوق العباد إلى معرفة الخالق والاعتراف بوجوده من خلال صنعه وخلقه ، ومثل هذا الاستدلال على وجود المبدأ ومعرفته أقرب إلى أذهان عامة النّاس قال تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [سورة الغاشية ، الآية : ١٧]. وقد يستدل سبحانه بالخالق على المخلوق وبالصانع على المصنوع ، قال تعالى : (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [سورة الحج ، الآية : ٣٤] ، وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [سورة فصلت ، الآية : ٥٣] وتفصيلهما مذكور في علم الفلسفة والكلام.
التاسع : ذكر سبحانه أنّ ما ذكر في الآيات المتقدمة آيات لقوم يعقلون ولم يبين ما فيه الآية وحذف المتعلق تعميما للفائدة ، فإنها تدل على أصل وجوده تعالى دلالة الصنع على الصانع ، وعلى قدرته وعلمه ، وحكمته التامة البالغة ، ولطفه وعنايته بأمر خلقه ، فتدل السموات والأرض على حدوثها واستناد خلقها إلى خالق قديم ، واختلاف الليل والنهار على التغيير والاستناد إلى مدبّر يدبرهما بالتدبير الحسن ، وجريان الفلك على رأفته وعطفه على خلقه ، وإحياء الأرض بعد موتها على ظهور أنواع الثمار والنبات وظهور منافعها للنّاس ، وعلى لطائف الصنع وبدايع الحكمة ، وبث الدابة على خلق الغرائز المختلفة وغرائب الحكمة وبدائع الصنيعة. وتصريف الرياح على تفريقها في الجهات ، وعلى دفع المضار والأمراض بها وغير ذلك من الآيات الدالة على بديع صنعه وأنها من تقدير العزيز العليم.