لأن تسخير السحاب لا يكون إلّا بتصريف الرياح وجريانها كما عرفت.
الرابع : إنما قدم عزوجل الليل على النهار في الآيات المشتملة عليهما ، لأن ضوء النهار أمر وجودي متقوم بطلوع الشمس وغروبها وهو مسبوق بالعدم ، فيكون الأصل هو الظلمة وإن كان الليل والنهار متلازمين في التحقق الخارجي ، ويأتي تفصيل ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
الخامس : تدل الآيات المباركة وما في سياقها على أن الأشياء في عالم الطبيعة والماديات مطلقا لا تحصل إلّا بأسبابها المقتضية لها ، وعليه جرت سنة الله تعالى في خلقه ، ويدل عليه الدليل العقلي والنقلي ، وفي الحديث : «أبى الله ان يجري الأمور إلّا بأسبابها» ، وقد تقدم في أحد مباحثنا السابقة إثبات ذلك.
ولا فرق في ذلك بين الأمور النوعية ، والصنفية ، والفردية ، وهو يدل على كمال قدرته وإحاطته بمخلوقاته وواسع رحمته ، فلو لا إرادته الأزلية لم يتحقق شيء من الأشياء ، ولو لا الأسباب التي جعلها الله تعالى وسيلة لتحققها لما وجدت أصلا ، فانه يكون من تحقق المعلول بلا علة ، وهو محال ولا ريب في أن لثبوت الحوادث أسبابا ثبوتية واقعية مستندة بنفسها ، وترتب مسبباتها عليها إلى إرادة قاهرة فوق الطبيعة تديرها بجميع شؤونها وجهاتها ، والجميع لا يعزب عن علمه ولا يخرج عن قدرته.
ومن ذلك يعلم أنّ الاقتصار على الأسباب وإرجاع الحوادث كلها إليها فقط مع الغفلة عما وراءها من السبب الواقعي تفريط في الرأي ، وباطل بالأدلة العقلية والنقلية.
كما أنّ إرجاعها إلى الله تعالى مسبب الأسباب ومبدأ الكل ومنشئه من دون نظر إلى الأسباب والعلل إفراط في الكلام ، وقد أبطلته الشرايع الإلهية بل الوجدان والدليل العقلي ينفيه ، والطريق الوسط الذي أمرنا باتباعه هو ما ذكرناه.
السادس : تدل الآيات على وجوب التعقل والتفكر ، وهو مما حكم به