كما أنّ من آيات هذا البيت أن جعله الله تعالى أمنا يأمن ما حل فيه من النبات والحيوان والإنسان فلا يقطع حشيشه ولا يصاد صيده ولا يخاف آمنه ، وبهذا كان معروفا حتّى في الجاهلية مع شدة معاداتهم وحبهم للانتقام وسفك الدماء ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٦٧]. وفي الحديث : «كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على النّاس أجمعين» ، وقد ورد في الظبي إذا دخل الحرم «لا يؤخذ ولا يمس». كما ورد في من جنى ودخل الحرم أنه لا يقتل بل يضيق عليه في المأكل والمشرب ، والبحث فقهي.
وسيأتي تفصيل معنى الأمن عن قريب إن شاء الله تعالى.
ولعل في ذكر هاتين الفضيلتين للبيت ـ الأمن والمثابة ـ إشارة إلى صلاحية كونه قبلة النّاس وأولويته من غيره.
قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى). عطف على الجملة السابقة. وأما قراءة «اتخذوا» ـ بالفتح ـ فلبيان أن مقام إبراهيم (عليهالسلام) كان مصلّى حتّى قبل الإسلام ، وقراءته بالكسر لا تفيد ذلك.
ففيها : إنّ الخطاب صادر بالنسبة إلى جعل المقام مصلّى من أول ما جعل المقام سواء كان في الجاهلية أو في الإسلام كما في قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) ، وقوله تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٢٥]. فإنّ جميع ذلك في مقام بيان صفات وخصوصيات هذا البيت العظيم.
والأخذ يتضمن هنا معنى الجعل ، كما في قوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٦] ، وقوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [سورة المائدة ، الآية : ٥١].