مصلّى.
وما قيل : من أن المراد من المقام هو الحرم أو المشاعر العظام فإنها حصلت من تشريعاته الخاصة ، وأن المراد من الصّلاة الدعاء. فهو وإن كان صحيحا ثبوتا ، ولكنه خلاف ظاهر الآية المباركة.
ولعل من أحد الأسرار في ذلك الترغيب في إتيان الصّلاة في مقام إبراهيم (عليهالسلام) تخليدا لاسم باني البيت والمشاعر العظام جريا على عادة النّاس في تخليد أسماء عظمائهم في المباني التاريخية ، كما ضبطه التاريخ وخليل الله تعالى أحق منهم ، فهو وسام خاص جعله الله تعالى له.
قوله تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ). العهد يأتي بمعنى التثبت المشدد مع عناية خاصة وهي ظهور احترام المعهود اليه بالوفاء بما عهد اليه ، وظهور كون الموضوع مما يعتنى به كثيرا ، وتقدم بعض ما يتعلق به في آية ـ ٤٠ من هذه السورة أيضا. وفي معاهدة الله تعالى مع إبراهيم وإسماعيل باعتنائهما بالبيت كما حكاه تعالى.
وفي إضافة البيت إلى نفسه المقدسة ثم التفضل بقبول العبادة الواقعة فيه إيماء إلى كثرة عنايته تعالى بالبيت وبالعبادة الواقعة فيه.
والتطهير هو التنزيه عن كل ما ينافي حرمة البيت. ومن حذف المتعلق يستفاد التعميم فيشمل جميع أنحاء الرجس والخبائث المعنوية ـ كالشرك ، والكفر ، والإلحاد ـ أو الحسية الظاهرية ـ كالنجاسات ، والقذارات وغيرهما ـ أو الحكمية ـ كالجنابة والحيض ، وحدوث النفاس ـ.
كما أنّ المراد من التطهير الأعم من المباشرة والتسبيب ، ويشهد لذلك توجيه مثل هذا الخطاب إلى إبراهيم (عليهالسلام) فقط في آية أخرى قال تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [سورة الحج ، الآية : ٢٦] ، ولا فرق في الواقع ، لأن الله تعالى هو الجاعل الحقيقي للبيت ، وإبراهيم (عليهالسلام) خادمه ، وإسماعيل (عليهالسلام) من القوة العاملة للخادم فالجميع يرجع اليه