الثاني : أنّ التعبير بالخطوات إشارة إلى أن إغواء الشيطان إنما يكون من الأشياء الدنيئة والخواطر الرديئة والأمور السفلية التي يستقبحها العقل لأنه مرجوم عن العلويات والأمور المعنوية العقلية ، فيكون إضلاله ناشئا عن الجهل وعدم التفكر والتعقل اللذين هما من جهة العلو ، فلا ينبغي لأحد ان يدع وحي السماء النازل على الأنبياء ومتابعة من تكون ذاته الدناءة والخسة والبعد عن ساحة الرحمن ، فيكون التعبير بالخطوات كناية عن نهاية الخسة والدناءة.
الثالث : أنّ قوله تعالى : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) إرشاد إلى أمر فطري ، وهو أنّ الإنسان لا يركن إلى عدوه ويتبعد عنه بل هذا ارتكازي في الحيوان في الجملة ، فيكون من باب بيان الموضوع لترتب الحكم الفطري عليه قهرا.
الرابع : إنّما وصف سبحانه الشيطان بأنّه «عدو مبين» إما لأجل وضوح عداوته لكل عاقل لو تبصر وتأمل في أفعاله ووساوسه حق التأمل ، ويكفي في ذلك الإعتبار من حال الكفار والمنافقين ، أو لأجل قسمه وحلفه على الإغواء كما حكى عنه تعالى : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [سورة ص ، الآية : ٨٣] أو لأجل إخراجه ورجمه عن قرب الله عزوجل ، أو لأجل أنّ بني آدم أفضل منه ، ويمكن أن يكون لاجتماع هذه الأسباب دخل في اشتداد إغوائه وإضلاله للنّاس.
الخامس : يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أنّ للشيطان ركيزتين في إضلال الإنسان وإغوائه :
الأولى : تزيين ما ترغب إليه النفس الأمّارة من السوء والفحشاء والترغيب إليهما بأساليب مختلفة ، وهو بذلك يبعد الإنسان عن الجانب الأهم في طبيعته أي جانب التعقل والتدبر.
الثانية : تلبيس الحق بالباطل واراءة الباطل حقا بحيث ينسب ما ليس من الدين إلى الدين فيجتهد في ذلك ويريد بذلك طمس الفطرة الإنسانية ، فان الإنسان بفطرته يميل إلى الحق والتدين بالدين الإلهي.