قال تعالى : (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) [سورة نوح ، الآية : ٢١] والداعي إلى هذا التقليد هو الشيطان لأنه من طرق غوايته وإضلاله قال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) [سورة لقمان ، الآية : ٢١].
الثاني : أن تكون الغاية من التقليد هي الاستكمال لا مجرد المحاكاة التي لا يخلو عنها الحيوان قال تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [سورة التوبة ، الآية : ١٠٠] ، وقال تعالى : (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) [سورة غافر ، الآية : ٣٨] ويستفاد ذلك مما ورد في قصة موسى والخضر قال تعالى : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) [سورة الكهف ، الآية : ١٨] وقال تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) [سورة الزمر ، الآية : ١٨] والآيات في ذلك كثيرة منطوقا ومفهوما.
وبالجملة : إنّ ذم التقليد والتشنيع على من يقلد الآباء ليس لأجل نفس التقليد والمتابعة بل لأجل عدم توفر الشروط التي حددها القرآن الكريم فيه ، فيرجع إلى متابعة الشيطان والنفس الأمارة ومتابعة الهوى التي هي من أهم أسباب الضلال والابتعاد عن الحق.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣))
بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السابقة أنّ أمر الدين وتشريع الأحكام لا بد وأن يكون منه تعالى ، وفي غير ذلك يكون من خطوات الشيطان ، وأبطل التقليد في الدين ، وجّه الخطاب في هذه الآيات إلى المؤمنين لأنهم أولى من غيرهم وأباح لهم الطيبات ثم حدد لهم بعض ما يجب اجتنابه من المطاعم ولذلك لا بد لهم من الشكر الدائم له تعالى.