العرف ، وذلك مرغوب فيه لا سيما في هذه الحال التي يكون الإنسان فيها أقرب إلى قوى البطش والانتقام منها إلى العقل.
قوله تعالى : (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ). أي أداء من الجاني إلى الولي بالإحسان كما أحسن اليه بالعفو وإتباعه بالمعروف.
قوله تعالى : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ). أي : أن تشريع القصاص والعفو عنه والانتقال الى الدية والاتباع بالمعروف والأداء بالإحسان كلها تخفيف على الأولياء والجانين ورحمة لهم ، لأنه جل شأنه قادر أن يشرع عليكم بما يكون أشد من ذلك ، فقد راعى عزوجل الوسط بين الإفراط ، والتفريط. مع أن في هذا التشريع الجديد تخفيفا بالنسبة إلى ما كانوا قد اعتادوا عليه في الجاهلية فقد كان ذلك ثقلا كبيرا عليهم ورحمة عليكم في الامتناع عن إراقة الدماء ظلما وعدوانا ، فلا يبقى بعد ذلك مجال للظلم والاعتداء.
قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ). أي : فمن اعتدى وانتقم من الجاني بعد العفو ، أو تعدى عن الحد الذي قرره الله تعالى فله عذاب أليم ، لأنه متعد عن القانون الإلهي وكل متعد كذلك لا بد وأن يعاقب عقلا وشرعا ، فيكون مصيره إلى النار.
قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ). بعد أن شرّع تعالى القصاص وحكم بأنّه لا بد من التساوي والتكافؤ بين الدماء. ذكر هنا حكمة هذا التشريع الجديد وعلته بأفصح بيان وأبلغه وأوجز عبارة تفي بالمطلوب. فكان أحسن كلام يقرع الأسماع وابلغ نظم يؤديه البيان ، قرن فيه بين التلطف والعتاب فما أجمل هذا الخطاب فاح نسيم الوحي من السماء فانفتح الكمام وتواضع كل من يدعي الفصاحة أمام حسنه ، وأعيى كل من جهد نفسه في البلاغة ، ولو قورنت هذه العبارة مع ما قيل في مثل المقام كقولهم : (القتل أنفى للقتل) وقولهم : (قتل البعض إحياء للجميع) ، وقولهم (أكثروا القتل ليقل القتل) لكان ما ورد في القرآن كالنور في الظلماء ، والنار على المنار من حيث البلاغة والفصاحة ، وسيأتي في البحث الأدبي ما يتعلق