الحقائق التي لا تحصل إلّا من الاجتماع إما بعضهم مع بعض ، أو مع الأنبياء والإيمان بهم والعمل بما جاؤا به. مع أن مثل هذه الخطابات نوعية اجتماعية ملقاة الى المجتمع لا إلى الفرد المعين.
واللب والعقل هما من أسرار الله تعالى التي أودعها في الإنسان ، وقد قال عزوجل حين خلقه كما في الحديث : «وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إليّ منك إياك آمر ، وإياك أنهى ، وبك أثيب وأعاقب» ، وهو أصل الإنسان وما سواه من القشر ، وهو مبدأ الاستكمالات واليه المنتهى ، وبالعمل والتقوى والصلاح يرتقي العقل واللب ، ومنهما ينشأ الخير ، فيصح أن يقال : قد اجتمعت العلة الفاعلية والغائية فيهما.
والحاصل : إنّ اللب والعقل والفلاح والصلاح والتقوى كلها مفاهيم مختلفة لمعنى واحد إذا لوحظت النشآت فانها مرتبطة بعضها مع بعض ؛ فان «الدنيا مزرعة الآخرة» كما قال نبينا (صلىاللهعليهوآله) خصوصا بناء على الحركة الجوهرية التي أثبتها بعض أعاظم الفلاسفة. نعم أصل هذه المزرعة وأساسها العمل وبه يرتقي العقل ثم منه ينشأ الخير الذي يرجع بالآخرة إلى العقل أيضا.
وإنّما ذكرهم في المقام للتنبيه على أنّ هذا الحكم بما فيه من المصالح والآثار لا يعلمها إلّا أولوا الألباب الذين يفقهون سر هذا الحكم باستعمال عقولهم. ولذلك فمن ينكر هذا الحكم فهو ممن ليس له لب وعقل ، فكان هذا كالدليل لما تقدم.
قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). أي لعلكم تتقون الله في كل أموركم حيث شرع لكم هذا التشريع العظيم الذي ينبّئ عن الحكمة والعلم ، أو تتقون الظلم خوفا عن القصاص فتكفون عن سفك الدماء أو يتقي بعضكم بعضا حرصا على الحياة.
ومنه يستفاد أن اللب السليم يرشد إلى التقوى ، وسبب استكمال ذوي الألباب.