القاتل والمقتول ، فقال عزوجل : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) فحفظ بذلك التهجم على الدماء ، ووقف الإسراف في القتل.
واهتم عزوجل بالجانب التربوي فحبب إلى الإنسان الرحمة والعطف ورغّب النّاس على نبذ مسلك الانتقام والوعد لمن راعى هذا الجانب بعظيم الأجر والإحسان.
ولذلك كان هذا التشريع موفقا كل التوفيق في رفع الخصام ، وحلول الصلح والوئام الذي هو السبب في حفظ الأمن والنظام هذا بالنسبة إلى الإسلام.
أما بالنسبة إلى سائر التشريعات الإلهية فإنّها تختلف بين إثبات تشريع القصاص والإلغاء ؛ ففي التشريع اليهودي اعتبر الحكم في الجنايات هو القصاص ولم يسنّ للعفو والدية أحكاما إلّا في حالات معينة راجع ما ورد في التوراة في الفصل الحادي والعشرين ، والثاني والعشرين من سفر الخروج ، والخامس والثلاثين من سفر العدد ، كما حكى عنها القرآن الكريم ، فقال تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [سورة المائدة ، الآية : ٤٨].
وأما التشريع في الدين المسيحي فلا يرى في مورد الجنايات إلّا العفو والدية ، وليس للقتل والقصاص فيه سبيل إلّا في موارد خاصة.
وأما سائر التشريعات ، سواء كانت وضعية أو غيرها فهي تختلف في هذا الحكم ، ولا يمكن جعلها تحت ضابطة كلية ، وإن كانت لا تخلو عن القصاص في الجملة.
ومما ذكرنا يعرف أن الإسلام اختار الطريق الأمثل وسلك مسلكا وسطا بين الإلغاء والإثبات ، فحكم بالقصاص ولكن ألغى تعيينه فأجاز العفو والدية ، ولا حظ جميع جوانب هذا الحكم وأحكمه أشد الأحكام وسدّ باب الجدال والخصام ، وأبطل شبهات المعترضين.