حيوان من قوم ذوي منعة وشرف ، وكان المناط كله على قوة القبائل وضعفها ، والمتبع هو القتل والانتقام ، والاقتصاص من دون أن يكون في البين قانون يحدده أو قواعد تهذب تلك العادات كما هي عادة الأقوام البدائية والشعوب الهمجية.
نزلت آية القصاص ولم يكن أحد يعرف الصلح والوئام بدل القتل والانتقام ، وكان ذلك تشديدا منهم على أنفسهم ؛ كما يستفاد من ذيل الآية الشريفة قال تعالى : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ).
ومن المعلوم أنه لا ينكر أحد أنّ حب الانتقام طبيعة من طبايع الحيوان فضلا عن الإنسان ، وان دفع التعدي غريزة من غرائزه ، وأنّه على ذلك مجبول ومفطور.
كما أنه ليس ثمة من ينكر أن العفو والرحمة غريزة أخرى من غرائز الإنسان بها يحنو على بني نوعه ، ويدفع عن أهله البلاء ويكافح في سبيلهم العيش والرفاه.
وبحسب تلك الأسس والغرائز نزلت آية القصاص ؛ وقررت تشريع حق الاقتصاص لولي الدم ، وأهدرت دم الجاني لولي المجني عليه فقط ، ومهدت له السبيل وأمكنته كل التمكين من القصاص بشروط خاصة لإشباع غريزة الانتقام في الإنسان فكان ذلك أول خطوة في تهذيب هذه الغريزة.
لكنه تعالى لم يغفل عن الغريزة الأخرى الكامنة فيه فحبّب اليه العفو بمختلف الأساليب فتارة : رغب اليه العفو بأخذ الدية وأداء اليه بإحسان. وأخرى : بالثواب في الآخرة ، ورضاء الله تعالى ، والعفو والمحبة للمحسنين ، قال تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [سورة الشورى ، الآية : ٤٠] ، وقال تعالى : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٣٤].
ولقد راعى الإسلام في هذا التشريع جميع من يهمه هذا التكليف القاتل ، والمقتول ، ووليه ، والمجتمع ، والصالح العام ، فحكم بالمعادلة بين