نفس الوقت نستفيد منه فيكون توفيقا بين حق المجتمع وحق أولياء الدم ، وغير ذلك من الوجوه. ولأجل ذلك عدلت القوانين الوضعية عن القصاص والقتل إلى عقوبات أخرى لردع الجناة أشدها عقوبة الحبس ؛ سواء كان محدودا بوقت أو غير محدود به مع الأشغال الشاقة مثلا.
ولكن كل ذلك باطل أما أولا : فلأنّ في تشريع القصاص تهذيبا للطبيعة الإنسانية في حب الوجود وملاحظة الجانب التربوي في هذا التكليف ، بل جميع تكاليف الإسلام وقوانينه إنما وضعت لأجل ذلك ، ولذلك حث على العفو ، ولم يكن الإسلام ليمنع من رفع هذه العقوبة بعد التربية الصالحة وإعداد الأفراد في صالح المجتمع ، ونبذ التخاصم والانتقام ، والأمم الراقية إنما ذهبت إلى ذلك بعد جهد جهيد في تربية الأفراد وتنفير القتل بينهم ، وهذا شيء حسن لم ينكره أحد ، وهو مما يريده الإسلام كما تشير اليه نفس الآية الشريفة.
وثانيا : فلأنّ الإسلام إنّما لا حظ في هذا التشريع الصالح العام ومصالح النوع كما هو شأن كل قانون ، سواء كان إليها أو وضعيا ، ويعتبر أن الاعتداء على فرد كالاعتداء ، على الأمة ، قال تعالى : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [سورة المائدة ، الآية : ٣٢] ، ولا ريب أن الدفاع عن الأمة والجماعة أمر غريزي ، ولذا نرى أن الأمة تهبّ في دفع الأعداء ومن يريد إهلاكهم فلا يتوقفون عن الدفاع عن أمتهم فكيف يمكن القول بالرأفة في هذه الحالة فهل تقبل الطبيعة الإنسانية مثل هذه الرأفة في هذه الحالة؟! بل لا تكون الرأفة إلّا إبادة للأمة واختلالا للنظام.
وثالثا : فلأنّ ما ذكروه في تبرير قتل القاتل إنّما هو في الحقيقة تبرير لتطبيق قانون العقوبة ، لا أنّه عيب في نفس القانون كم فرق بينهما ؛ مع أنّ الإسلام قد لاحظ جميع الخصوصيات في القتل ، كما هو مفصل في الفقه ، فلا يبقى عذر بعد ملاحظة ذلك ، مع أنّ ذلك تلقين للمجرم ، وإعطاء السلاح بيد المجرم كما يقال.