العهدة وثبت له الأجر. وفيه التفات من الأفراد ، لبيان تعميم الإثم للمباشر للتبديل ، وكل من يرتب عليه الأثر بالقول أو العمل ؛ فيكون كالربا الذي لعن الله دافعه ، وآخذه ، وشاهده وكاتبه. أو كالخمر التي لعن الله شاربها ، وصانعها ، وغارسها. وبالجملة ، التبديل سواء كان فرديا ، حدوثا وبقاء ، أو كان جميعا حدوثا وفرديا بقاء ، أو بالاختلاف. وسواء كان بالقول أو بالعمل كل ذلك حرام يشمله إطلاق الآية الشريفة.
وإنما ذكر تعالى : (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) ولم يقل عليهم للاعلام بأن سبب الإثم إنما هو التبديل ، وترتيب الأحكام التالية.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). أي : إنّ الله سميع بإيصاء الموصين ، عليم بتبديل المبدلين وفيه من الوعد للموصين ، والوعيد للمبدلين.
وقد جمع تعالى بين السمع والعلم اهتماما بهذا العمل الذي هو آخر ما يفعله العبد في هذه الدنيا وللإعلام بأن الموصي وإن لم يكن حاضرا ولكن الله تعالى عالم بالوصية رقيب عليها.
وفي الآية إشارة إلى انه تعالى عالم بالجزئيات كما أنه عالم بالكليات.
قوله تعالى : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً). الجنف هو الانحراف والميل من الإستواء والاستقامة إلى الخلاف ، أو الميل عن الحق إلى الباطل فيشمل الظلم في الحكم ، ولم تستعمل هذه المادة في القرآن الكريم إلّا في موردين : أحدهما في المقام ، والثاني في قوله تعالى : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) [سورة المائدة ، الآية : ٣].
وعن الخليل إن الجنف الميل عن الحق إلى الباطل في الحكم ، والحيف مطلق الميل عن الحق إلى الباطل في كل شيء.
ومن مقابلة الجنف مع الإثم يستفاد أنّ الميل عن الحق إلى الباطل قسمان : قسم فيه إثم ، وهو ما إذا كان الميل عن تقصير ؛ وقسم آخر لا إثم فيه ، وهو ما إذا كان ذلك عن قصور ، كالجهل ونحوه.
والمراد بالخوف هنا الاطمينان بوقوع المخوف من باب ذكر اللازم