وإنّما أدرج إسماعيل في آباء يعقوب للتغليب إذ العم بمنزلة الأب ، وفي الحديث : «عم الرجل صنو أبيه». وإنما ذكر الآباء اسقاطا لزعم من يزعم أنهم على ملة غير الملة الحنيفية ، وإعلاما بأنهم كانوا يدعون إليها كما يعتقدونها.
قوله تعالى : (إِلهاً واحِداً). أي : لم نشرك به. وقد اختلفوا في لفظ الإله ـ كما اختلفوا في صفاته جلّ شأنه وأسمائه ، وتحيروا في حقيقة ذاته تعالى ـ فمن قائل : انه من اله أي تحير ، لما مر من قول علي (عليهالسلام) : «كلّ دون صفاته تحبير الصفات وضل هناك تصاريف اللغات». وفي الحديث : «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله». ومن قائل إنّ أصله من وله فأبدل الواو ألفا ، وذلك لكون كل مخلوق والها نحوه إما بالتسخير فقط كالجماد والحيوان ، أو بالتسخير والإرادة معا كبعض النّاس. وعن بعض الفلاسفة «أنّ الإله محبوب كل شيء». وعن بعض العرفاء «أن الإله مجذوب كل شيء» ، واستشهد الفريقان بقوله تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [سورة الإسراء ، الآية : ٤٤]. ومن قائل إنه من لاه يلوه لولاها أي : احتجب عن الأبصار والعقول.
والكل صحيح ، لأن ذاتا لا تدرك حقيقته ، وهو متصف بجميع صفات الجمال والجلال تصح الإشارة اليه بأي جهة من جهات كماله الا إذا نهى الشارع عنها. وعلى أي تقدير يكون جمع إله وتثنيته اعتقاديا بالنسبة إلى المشركين لا واقعيا ، لأن ما انحصر في الفرد واستحال وجود فرد ثان له كيف يصح جمعه؟ إلّا بالجمع الاعتقادي الادعائي لا الواقعي.
واما الواحد فقد استعمل في القرآن غالبا فيه تعالى بالحصر والتأكيد قال تعالى : (أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) [سورة ابراهيم ، الآية : ٥٢] ، وقال تعالى : (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) [سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٨] ، وقال تعالى : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [سورة ص ، الآية : ٦٥] ، وقال تعالى : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) [سورة النحل ، الآية : ٥١] وهذا هو