بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) [سورة ص ، الآية : ٤٦] ، وقال تعالى (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) [سورة الزمر ، الآية : ٢] ، وقال تعالى : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [سورة الحجر ، الآية : ٤٠] ، وقال جل شأنه : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) [سورة الزمر ، الآية : ٣] إلى غير ذلك من الآيات المباركة ، وكل ما قيل في حقيقة الإخلاص يكون دون حده ورتبته ، وقد قال علي (عليهالسلام) : «بالإخلاص يكون الخلاص ، وطوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء». وهو من الأمور الإضافية فيضاف إلى أصل التوحيد تارة بدرجاته ، وفي مقابله الشرك بمراتبه. وإلى العبادة أخرى ، وفي مقابلها الرياء بمراتبه. وإلى سائر الأعمال ثالثة ، وفي مقابلها كثير من مفاسد الأخلاق ، والجامع بين الجميع الإخلاص في الدين.
والعلماء والعرفاء ذكروا للخلوص والإخلاص معاني متعددة ، فعن الفقهاء ان معناه إتيان العمل لله تعالى ، بأن يكون الداعي على إتيانه هو الله تعالى ؛ وقد فصلنا القول فيه في الفقه. وعن بعض العرفاء : إن الإخلاص ؛ سر من أسرار الله تعالى يستودعه قلب من يحب من عباده. وعن آخر : إنه لا يحب أن يحمد على شيء من عمله. وقد ينسب هذان القولان إلى الحديث أيضا.
والحق إنه من الحقائق التي لها مراتب كثيرة جدا ، فأولى مرتبته أن يكون الداعي على إتيان العمل هو الله تعالى ، وأقصى مراتبه ما تنتهي إلى حبه تعالى وفي هذه المرتبة أيضا درجات غير محدودة حتّى ينتهي إلى ما أثبتوه من الفناء في الله الذي هو عين البقاء بالله تعالى. وبالجملة أصل الحقيقة وجدانية عملية ، لا ان تكون قولية بيانية ؛ فكم من حقائق تقصر الألفاظ عن بيانها وإن كثرت والعبارات عن شرحها وإن تعددت.
والمعنى إنّ التفاضل يأتي من ناحية الأعمال فكل امرئ رهين عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، والمدار على الإخلاص ، وفيها تعريض لهم بعدم الإخلاص لهم.