منزلة شؤون أنفسهم ، ونسبة فعل الأتباع إلى النفس باب من أبواب البلاغة تترتب عليه فوائد وحكم كثيرة.
السادس : إتمام حجة الإختيار على المخاطبين ، وجميع هذه الوجوه صحيحة يمكن الاعتماد عليها في مثل هذا النهج من التعبير ، كما في قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ) الوارد في أكثر من عشرين موضعا في القرآن الكريم.
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ). كبيرة أي عظيمة وثقيلة. وقد وردت مادة (كبر) في القرآن بهيئات مختلفة ، والكبير والصغير من الأمور الإضافية يتصف بهما جميع الجواهر والأعراض ، بل الاعتباريات أيضا ، كما هو معلوم. ويطلق الكبير على الله تعالى قال سبحانه : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) [سورة الرعد ، الآية : ٩] ، وقال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [سورة الحج ، الآية : ٦٢].
والضمير في «كانت» يرجع إلى القبلة من جهة تحويلها أي : انه عظم أمر القبلة في تحويلها على أهل الكتاب والمنافقين وغيرهم ممن لم يثبت على الإيمان إلّا أن الذين هداهم الله تعالى إلى دينه وهم الذين صدقوا الرسول (صلىاللهعليهوآله) وآمنوا به بحقيقة التصديق والإيمان لم يفرقوا بين القبلة الأولى المحول عنها والقبلة الثانية المحول إليها ، وأنهم يعلمون أن ذلك من أمر الله تعالى العالم بالمصالح والحكم ، والمبين لعبده ما لم يكن يعلم ، فاستسلموا لأمره وأطاعوا رسوله. وفي الآية إشارة إلى الطائفتين من الطوائف الثلاثة المتقدمة وهم المنافقون والمؤمنون.
قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ). الضياع الهلاك والفساد ، والآية المباركة في مقام الجواب عما ارتكز في النفوس عن شأن الأعمال التي تقع على طبق الحجة السابقة إذا تبدلت إلى حجة اخرى ؛ فكان الجواب أنها صحيحة ومقبولة لدى الله تعالى ويجزي عليها بالجزاء الأوفى.
وفي الآية بشارة للمؤمنين وإيماء إلى أن أعمالهم إنما كان مبعثها هو الإيمان بالله تعالى والتسليم لأمره.