ويستفاد من الآية الكريمة أنه (صلىاللهعليهوآله) كان ينتظر تحويل القبلة وكان الله تعالى يعلم بأنه (صلىاللهعليهوآله) يرغب في قبلة جديدة.
قوله تعالى : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها). أي سنأمرك باستقبال القبلة التي ترضاها ، ولذا قرنه تعالى بالأمر ، وقال عزوجل : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). ولا تختص التولية بتشريع الحكم ، بل المراد الأعم منه ومن تحقق التولية خارجا بواسطة أخذ جبرائيل (عليهالسلام) بيد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وتوليه إلى المسجد الحرام.
والآية الكريمة لا تدل على أن القبلة الأولى لم تكن مرضية لله تعالى ولا لرسوله (صلىاللهعليهوآله) بأي وجه من الدلالات ؛ فإن إثبات الرضا في استقبال الكعبة لا ينافي ثبوت الرضا في استقبال البيت المقدس ما دام رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يستقبله لمصلحة كما جميع التكاليف المنسوخة والمتبدلة لمصالح مختلفة ، بل يمكن أن يستفاد من ظاهر الآية أن القبلة الحقيقة هي الكعبة المقدسة التي هي مورد محبته (صلىاللهعليهوآله) : لأنها أقدم القبلتين وقبلة إبراهيم (عليهالسلام) ومجمع العرب وملاذهم وأهم ما يفتخرون به فكان ذلك مورد خطور قلب نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ومحبته وان لم يظهره على لسانه تأدبا مع ربه ، بل كان يردد وجهه الى آفاق السماء منتظرا لما هو المعلوم من إرادة الله تعالى.
وعليه يكون التوجه إلى القبلة الأولى من قبيل التكاليف الامتحانية والصّلاة إليها قبل التحويل ـ على فرض عدم تصادف الكعبة في البين ـ من الصلاة الاضطرارية التي تصلى الى غير القبلة لمصالح كثيرة ، منها المماشاة مع اليهود الذين هم ألدّ الخصام ، وجلب قلوبهم.
قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). الشطر يطلق على القسم المنفصل من الشيء ، أي النصف ، والجزء ومنه الحديث : «السواك شطر الوضوء» ، وقوله (عليهالسلام) : «من أعان على مؤمن ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله».
والمراد به هنا النحو والجهة. ولم تستعمل هذه الكلمة في القرآن الكريم