منهم التشيّع بالكلّيّة ، واحتمال فتوى كلّ واحد منهم لأن يكون اعتقادا له ، أو أظهرها للتقيّة أو خوف الفتنة ، وتوقّف ذلك على التتبّع التامّ ، وعدم انحصار الأمر في المشهورين ـ يقتضي أن يكون ضبط أقوالهم موقوفا على أسفار طويلة وتفتيش عظيم (١) وعلم بعدالة الجميع.
ومعلوم أنّ أحدا ممّن ادّعى الإجماع لم يفعل ذلك.
وبعد تمام التفحّص يحتمل رجوع أكثرهم عمّا أفتى به ، فلا يحصل إلّا ظنّ ضعيف باتّفاقهم ، وبعده لا يحصل العلم بدخول الإمام ؛ إذ ليست هذه المقدّمة بيّنة ولا مبيّنة ، مع أنّه بعد ذلك يصير حجّة على من تتبّع ، لا على غيره ، فإنّ التواتر عند المنقول إليه يكاد يكون محالا ، مع أنّ التواتر مشروط بالانتهاء إلى الحسّ ، وكون كلّ واحد عدلا معتقدا لما قاله غير محسوس ؛ لاحتمال التقيّة وغيرها كما مرّ.
والآحاد لا تفيد إلّا ظنّا ، فيصير اجتهادا مظنونا يجوز عليه الخطأ [ و] لم يرد نصّ في جواز العمل به فضلا عن وجوبه ، على أنّ هذا الإجماع الذي لم يعلم دخول الإمام فيه لو كان حجّة مع احتمال كون قول الإمام مخالفا له ، لزم كونه حجّة مع العلم بمخالفة قول الإمام له ، وخروج قول الإمام عن كونه حجّة ، وهو معلوم البطلان.
وعند التحقيق يعلم أنّ هذا قول بالتفويض إلى الرعيّة ، ويلزمه عدم الاحتياج إلى نصب الحجّة من النبيّ والإمام ؛ للاستغناء عنها بالاجتهاد والإجماع والاستنباطات الظنّية والأدلّة العقليّة على قول الاصوليّين ، وهو رجوع عن طريقة الأخباريّين إلى قول العامّة ، لا إلى قول الاصوليّين من الخاصّة عند التأمّل.
والدليل الذي استدلّوا به على عصمة الإمام ـ من أنّه لو لم يكن معصوما لزم أمره تعالى عباده بما يجوز عليه الخطأ ، وهو قبيح محال على الله ـ يدلّ على عدم حجّيّة الإجماع (٢) المشار إليه ، وعلى بطلان جميع الاستدلالات الظنّيّة ، كما حقّق في محلّه.
__________________
(١) الف : ـ عظيم.
(٢) الف : ـ الإجماع.