وقد قال الشهيد الثاني الشيخ زين الدين قدسسره في بعض رسائله ونعم ما قال :
الإجماع عند الأصحاب إنّما هو حجّة بواسطة دخول قول (١) المعصوم في جملة أقوال القائلين ، والعبرة عندهم إنّما هي بقوله دون أقوالهم ، واعترفوا بأنّ قولهم « الإجماع حجّة » إنّما هو مشي مع المخالف ، حيث إنّه كلام حقّ في نفسه ، وإن كانت حيثيّة الحجّيّة مختلفة عندنا وعندهم على ما هو محقّق في محلّه.
وإذا كان كذلك فلا بدّ من العلم بقول المعصوم في جملة أقوالهم حتّى يتحقّق حجّيّة قولهم ، ومن أين لهم هذا العلم في مثل هذه المواضع مع عدم وقوفهم على خبره عليهالسلام فضلا عن قوله.
وأمّا ما اشتهر بينهم ـ من أنّه متى لم يعلم في المسألة مخالف ، أو علم مع معرفة أصل المخالف ونسبه ، يتحقّق (٢) الإجماع ويكون حجّة ، ويجعل قول الإمام في الجانب الذي لا ينحصر ، ونحو ذلك ممّا بيّنوه واعتمدوه ـ فهو قول مجانب للتحقيق جدّا ، ضعيف المأخذ ، ومن أين يعلم أنّ قوله عليهالسلام وهو بهذه الحالة في جملة أقوال الجماعة المخصوصة ، دون غيرهم من المسلمين.
ومتى بلغ قول أهل الاستدلال من أصحابنا في عصر من الأعصار السابقة حدّا لا ينحصر ولا يعلم به بلد القائل ولا نسبه ، وهم في جميع الأعصار محصورون مضبوطون بالاشتهار والكتابة والتحرير لأحوالهم على وجه لا يتخالج معه شكّ ولا تقع معه شبهة ، ومجرّد احتمال وجود واحد منهم مجهول الحال ، مغمور في جملة الناس ، مع بعده ، مشترك من الجانبين ؛ فإنّ هذا إن كان أتى ، كان وجوده مع كلّ قائل ممكنا ، ومثل هذا لا يلتفت إليه أصلا ورأسا.
وقال المحقّق في المعتبر ونعم ما قال : « الإجماع حجّة بانضمام المعصوم ، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجّة ، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجّة ، لا باعتبار اتّفاقهما ، بل باعتبار قوله عليهالسلام ؛ فلا تغترّ بمن يتحكّم فيدّعي
__________________
(١) الف : ـ قول.
(٢) الف : تحقّق.