فإن قلت : المنافاة باقية ، لأنّ تحصيل العلم إذا أمكن تعيّن ، فما دلّ على الاكتفاء بأيّ جهة ينافي اعتبار حصول العلم مع الإمكان.
قلت : إذا ثبت الاكتفاء بالظن فلا مانع من القول بأنّ تحصيل العلم إنّما هو من باب فعل الأولى ، نعم لو لم يدل دليل على الظن كان اللازم وجوب تحصيل العلم عينا ، على أنّ الرواية إذا احتمل فيها إلزام الخصم فيمكن ادعاء كون الصلاة إلى أيّ جهة يحصّل العلم الشرعي ، لأنه تابع للدليل ، فإذا ورد ما يقتضي الاكتفاء بأيّ جهة كفى في المطلوب.
ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره شيخنا الشهيد رحمهالله من أن الرواية يلزم من العمل بها سقوط الاجتهاد (١). محل تأمّل ، لأنّ مفادها على تقدير إلزام الخصم ليس نفي الاجتهاد مطلقا ، بل في المادة المذكورة ، وليس الاجتهاد منفيا فيها على أن يكون الاكتفاء بالأربع جهات لمن لم يجتهد ، بل إنّما يدل على أنّ تحصيل العلم ممكن ، فلا وجه للاجتهاد المفيد للظن.
وقول شيخنا الشهيد رحمهالله في الفرق بين الاجتهاد المفيد للقطع وما أفاد الظن لا يثمر نفعا مع إطلاق الرواية ، بل صراحتها في تحصيل العلم الذي هو القطع.
هذا كلّه على تقدير العمل بالرواية والنظر إلى ما دلّ على إجزاء أيّ جهة ، لكن في بعض تلك الأخبار قد وقع نوع اختلاف ، فإنّ الشيخ كما ترى نقل في الرواية الثالثة أنّه « يجزئ التحرّي ».
وابن بابويه نقل في بعض الأخبار المعتبرة ما هذا لفظه : عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي (٢) جعفر عليهالسلام أنّه قال : « يجزئ المتحير أبدا
__________________
(١) الذكرى : ١٦٦.
(٢) ليست في « فض » و « د ».