______________________________________________________
الثاني : اشتراط الوجوب أو الندب ، واستدل عليه من اعتبره بوجوب إيقاع الفعل على وجهه (١) ، ولا يتم الا بذلك. وبأن الوضوء لما جاز وقوعه على جهة الوجوب تارة وعلى جهة الندب اخرى اشترط تخصيصه بإحداهما حيث يكون ذلك هو المطلوب.
ويرد على الأول أنه إن أريد بوجوب إيقاع الفعل على وجهه إيقاعه على الوجه المأمور به شرعا فمسلّم ولا يستلزم المدعى ، وإن أريد به إيقاعه مع قصد الوجه (٢) الذي هو الوجوب أو الندب كان مصادرة محضة ، وبالجملة فهذا الاستدلال لا محصل له.
وعلى الثاني أنّ الوضوء الواجب والمندوب لا يمكن اجتماعهما في وقت واحد ليعتبر تمييز أحدهما عن الآخر ، لأن المكلف إذا كان مخاطبا بمشروط بالوضوء فليس له الا نيّة الوجوب وإن لم يقصد فعل ما عليه من الواجب ، والا فليس له الا نية الندب كما ذكره المتأخرون (٣) ، وإن لم يقم على ذلك دليل عندنا. سلّمنا الاجتماع لكن امتثال الأوامر الواردة بالوضوء من الكتاب والسنة يحصل بمجرد إيجاد الفعل طاعة لله تعالى فيجب حصول البراءة به.
والأظهر عدم الاشتراط كما اختاره المصنف في بعض تحقيقاته ، فإنّه قال : الذي ظهر لي أنّ نية الوجوب والندب ليست شرطا في صحة الطهارة ، وإنما يفتقر الوضوء إلى نية القربة ، وهو اختيار الشيخ أبي جعفر الطوسي ـ رحمهالله ـ في النهاية ، وأنّ الإخلال بنية الوجوب ليس مؤثرا في بطلانه ، ولا إضافتها مضرّة ، ولو كانت غير مطابقة لحال الوضوء في وجوبه وندبه.
وما يقول المتكلمون من أنّ الإرادة تؤثّر في حسن الفعل وقبحه ، فإذا نوى الوجوب
__________________
(١) كما في التذكرة ( ١ : ١٤ ).
(٢) في « ق » وجهه.
(٣) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهية ( ١ : ٧١ ).