أقول : يمكن الجواب عن هذا الوجه ببيان آخر ، وهو أنّه كما يبحث في المبادىء التصوّريّة عمّا يرجع إلى تصوّر الموضوع والمحمول كذلك يبحث فيها عمّا يرجع إلى تصوّر غاية ذلك العلم ، ولا إشكال في أنّ غاية علم الاصول إنّما هي استنباط الحكم الشرعي ، فيكون الحكم مأخوذاً في غايته ، فالبحث عن أحوال الحكم وأوصافه ( نظير البحث عن أنّ الحرمة والوجوب هل يجتمعان في شيء واحد أو لا ) داخل في المبادىء التصوّريّة لعلم الاصول ، فيرجع كون البحث في المقام من المبادىء الأحكاميّة لعلم الاصول إلى أنّه من المبادىء التصوّريّة لعلم الاصول.
نعم ، إنّ هذا كلّه تامّ لو كان البحث في المقام بحثاً عن كبرى تضادّ الأمر والنهي ( أي تضادّ الوجوب والحرمة ) فيكون بحثاً عن أوصاف الوجوب والحرمة وأنّهما هل يكونان متضادّين ، أو لا؟
مع أنّه ليس كذلك حيث إنّه بحث عن صغرى التضادّ وعن أنّ تعلّق الأمر والنهي بشيء واحد ذي عنوانين هل يوجب اجتماع المتضادّين بعد الفراغ عن كبرى تضادّ الأحكام الخمسة ، أو لا؟
فظهر أنّ البحث في ما نحن فيه ليس من المبادىء الأحكاميّة التي ترجع في الواقع إلى المبادىء التصوّريّة.
وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى أنّها من المبادىء التصديقية لعلم الاصول وليست من مسائله ، وحاصل بيانه أنّ هذه المسألة على كلا القولين فيها لا تقع في طريق استنباط الحكم الكلّي الشرعي بلا واسطة ضمّ كبرى اصوليّة ، وقد تقدّم أنّ الضابط لكون المسألة اصوليّة هو وقوعها في طريق الاستنباط بلا واسطة ، والمفروض أنّ هذه المسألة ليست ، كذلك فإنّ فساد العبادة لا يترتّب عليه القول بالامتناع فحسب بل لا بدّ من ضمّ كبرى اصوليّة إليه ، وهي قواعد مسألة التعارض ، فإنّ هذه المسألة على هذا القول تدخل في كبرى تلك المسألة وتكون من إحدى صغرياتها ، فيترتّب فساد العباد بعد إعمال قواعد التعارض وتطبيقها في المسألة لا مطلقاً ، وهذا شأن كون المسألة من المبادىء التصديقية لمسائل علم الاصول دون المسائل الاصوليّة نفسها ، كما أنّها على القول بالجواز تدخل في كبرى مسألة التزاحم فتدخل في مبادىء بحث التزاحم (١).
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٣٣ ـ ٣٣٤.