الأمر الثاني : الوضع وأحكامه
ووجه الحاجة إلى البحث عنها ارتباط غير واحد من الأدلّة الأربعة بباب الألفاظ ، فلابدّ حينئذٍ من معرفة بعض قوانينها والقواعد الموضوعة لها.
قد يتوهّم أنّ دلالة الألفاظ على معانيها ليست من ناحية الوضع بل إنّها ذاتيّة فلا حاجة إلى البحث عنه.
ولكنّه خلاف ما نجده بوجداننا إلاّفي باب أسماء الأصوات ، فيوجد فيها ربط ذاتي بين المعاني والألفاظ كما هو ظاهر.
وكيف كان فبناءً على عدم ذاتيتها وكونها ناشئة من ناحية الوضع يقع البحث في حقيقة الوضع وأنّها هل هي بمعنى الجعل ، أو بمعنى الالتزام ، أو بمعنى الانس الذهني؟
القول الأوّل : ما اختاره المحقّق الخراساني رحمهالله : « إنّه نحو اختصاص للفظ بالمعنى وارتباط خاصّ بينهما ناشٍ من تخصيصه به تارةً ومن كثرة استعماله فيه اخرى ».
ولا يخفى ما فيه من الابهام الذي لا يغتفر مثله في مقام التعريف نظير ما مرّ منه في تعريفه لعلم الاصول.
القول الثّاني : إنّه نوع استيناس ذهني يحصل بين اللفظ والمعنى بحيث ينتقل الذهن من أحدهما إلى الآخر.
وهذا مقبول في الوضع التعيّني ، أمّا في التعييني فلا معنى محصّل له ، لأنّ الانس والعلاقة الذهنيّة أمر متأخّر عن الوضع يحصل من كثرة الاستعمال الحاصلة بعد الوضع.
القول الثالث : أنّه التزام وتعهّد من ناحية أهل اللّغة بأنّه كلّما استعمل هذا اللفظ اريد منه هذا المعنى ، إن قلت : الالتزام يتصوّر بالنسبة إلى الوضع فقط ، وتعهّد الواضع لا يلازم تعهّد غيره مع أنّ غيره أيضاً يستعمل اللفظ الموضوع كإستعماله.